1 ـ بدر الكبرى :
حدثت هذه المعركة الخالدة في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة .
والتحم الفريقان عند آبار بدر بين مكّة والمدينة ، فهزم المسلمون قريشاً هزيمة كبرى ، فقتلوا منهم جمعاً كثيراً وأسروا آخرين ، واضطرّت قريش للانسحاب والفرار ، يجرّون أذيال الخزي والهزيمة ، وحقّق الله تعالى النصر للاسلام ، واندحرت قوّة قريش .
2 ـ معركة أُحُد :
استمرت أحداث بدر ومعركتها التاريخية الرائدة تتفاعل حقداً في نفوس المشركين في مكّة .
ولم يكن لدى أبي سفيان- قائد الشرك والعدوان آنذاك - غير التفكير بالحرب ، وإعادة الهجوم على المسـلمين ، وتحقيق نصر عسكري يغيّر الاثار النفسيّة والاعلاميّة الّتي أنتجتها معركة بدر.
فدقّ المشركون طبول الحرب، وخطّطوا للعدوان والهجوم على المدينة.
التقى الفريقان عند جبل اُحد، في أطراف المدينة المنوّرة، ووضع رسول الله (ص) خارطة المعركة، وحدّد مواقع جيشه ، فوضع الرماة عند رأس الشعب ـ وكان عددهم خمسين مقاتلاً ـ ليوفّر حماية خلفيّة للجيش الاسلامي .
بدأت المعركة وكان النصر حليف المسلمين ، فاستولت قوّاتهم على ساحة المعركة ، وانهزم العدو ، ووقعت بأيدي المسلمين مغانم كثيرة .
إستهوت الغنائم النفوس ، فترك الرّماة مواقعهم واندفعوا نحو الغنائم ، فأحدث ذلك ثغرة في صفوف المجاهدين استغلّها خالد بن الوليد - أحد قادة المشركين آنذاك - فالتف على قوّات المجاهدين من خلفهم ، وتسبَّبَ هذا الهجوم بانكسار الجيش الاسلامي وبعثرته وانهزامه .
لم يبق مع الرسول (ص) غير عليّ بن أبي طالب، وحمزة بن عبدالمطلّب ، ومصعب بن عمير ، وقليل من أصحابه ، الّذين استطاعوا ببسالتهم صدّ العدوان عن رسول الله (ص) .
كان الانكسار كبيراً والخسارة فادحة ، فقد خسر المسلمون حمزة بن عبدالمطلّب ومصعب ابن عمير وعدداً آخر من الشهداء .
3 ـ معركة الخَنْدَق :
شعر اليهـود بخطر تعاظم قوّة الرسول (ص) ، فاندفعوا للتآمر على الاسلام ونبيّه العظيم ، وراحوا يؤلِّبون أعداء الاسلام ، ويخطِّطون لتكوين تجمّع عسكري هائل لمهاجمة المدينة ، والقضاء على الاسلام .
اتصل اليهود بقبائل قريش وغطفان ، واتّفقوا معهم على مهاجمة المدينة واستئصال الاسلام ، إلاّ أنّ الانباء تسرّبت إلى الرسول (ص) فشاور أصحابه .
أشار عليه سلمان الفارسي (رض) ـ وهو من خيرة أصحابه ـ بتحصين المدينة بخندق ، فقبل الرسول هذا الرأي ، وباشر (ص) مع المسلمين في حفر الخندق .
تأهّبت قريش ، وجمعت رجالها وأنصارها ومَن تابعها ، فكان تعداد جيشها عشرة آلاف مقاتل نزلوا قرب المدينة .
استنفر الرسول(ص) أصحابه للقتال، فكان عددهم ثلاثة آلاف مقاتل.
بدأ هجوم الاعداء بعبور عمرو بن عبد ود العامري ـ أحد أبطالهم ـ وراح يتوعّد المسلمين وينادي (هل مِن مبارز ؟ ) .
فقام عليّ بن أبي طالب (ع) وقال : أنا له يا نبيّ الله .
فقال (ص) : إجلس إنّه عمرو .
وكرّر ابن عبد ود النداء ، وجعل يستخفّ بالمسلمين ويهزأ بهم .
فقام عليّ (ع) قائلاً : أنا له يا رسول الله .
قال (ص) : إجلس إنّه عمرو .
فقال عليّ (ع) : وإن كان عمراً .
فأذن رسول الله (ص) لعليّ (ع) وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه ، وعمّمه بعمامته، وقال (ص) : «اللّهمّ هذا أخي وابن عمّي ، فلا تذرني فرداً وأنتَ خير الوارثين» .
تقدّم عليّ بن أبي طالب (ع) برباطة جأشه المعتادة ، واشتبك مع عمرو اشتباكاً شديداً ، فأرداه قتيلاً .
كبّر المسلمون عندما رأوا عمراً ممدّداً على الأرض، ويعود عليّ ظافراً إلى الرسول (ص) فيستقبله بقوله : «لَمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل اُمّتي إلى يوم القيامة» .
في اللّيـل هبّت ريح عاصفة شديدة البرودة ، فجعلت تُكفِئ القدور وتطفئ النيران وتقلع الخيام، فاستولى الرّعب على جيش المشركين، وولّوا عن المدينة المنـوّرة هاربين ، وكتب الله بذلك النصر للمسلمين في هذه المعركة الّتي حدثت في السنة الخامسة للهجرة .
بعد أن هزمت الأحزاب وعادت قريش إلى مكّة تجرّ أذيال الذلّ والهزيمة ، اتّجه رسول الله (ص) إلى تصفية جيوب اليهود الخائنة ، المجاورة للمدينة، والّذين نقضوا عهودهم معه (ص)، وتحالفوا مع قريش وأحزابها، وقد أمكن الله المسلمين منهم ، وانتهت بذلك مؤامراتهم .
صلح الحديبية
بعد معركة الاحزاب ، بلغ الرسول (ص) أنّ محاولة تجري في الخفاء بين قريش ويهود خيبر لغزو المسلمين ، فقرّر الرسول (ص) أن يهادن قريشاً ليفصلها عن اليهود أوّلاً ، وليتمكّن بعد الهدنة أن ينشر دعوته بين العرب من غير قريش ثانياً .
سار الرسول (ص) ومعه نحو ألف وخمسمائة رجل نحو مكّة حتّى توقّف عند الحديبية .
أرسل الرسول (ص) إلى قريش شخصاً من خزاعة ليبلّغهم أنّه جاء ليزور البيت الحـرام ويعتمر وينحر الهدي في الحرم ، وأنّه مستعد لتوقيع معاهدة هدنة ، فإنْ هم رفضوا فسيقاتلهم عليها .
كانت قريش تعاني من هزيمتها في معركة الخنـدق ، ولمّا رأت قوّة رسول الله (ص) وإصراره على ما يريد، وأدركت ما بها من ضعف وعجز عن المقاومة، استجابت لنداء رسول الله (ص) وتمّ توقيع معاهدة الصلح.
كان للمعاهدة أعظم الأثر في مسيرة الاسلام التاريخية ، حيث أعطت فرصة للمسلمين لتبليغ دعوتهم إلى غير قريش ، من سكّان الجزيرة ، والتفرّغ لبناء دولتهم الفتيّة وتقويتها .
معركة خَيْبَر
خيبر قرية من قرى اليهود، تقع على قمة جبل، يحيطها حصن حجري ظن أهله انّه مانعهم من إرادة الحقّ ، وسيوف المجاهدين المؤيَّدين بنصر الله سبحانه .
يهود خيبر على عادة اليهود ، قد استحكم بهم الغرور ، وغرّهم المال والسلاح الّذي بأيديهم ، فكانت خيبر مركزاً للتآمر على المسلمين .
كان في حصن خيبر عشرة آلاف مقاتل ، يخرجون كل يوم صفوفاً يستعرضون قوّتهم ، ويسخرون بقوّة المسلمين ، وهم يردّدون: (محمّد يغزونا ، هيهات ! هيهات ! ) .
جمع رسول الله (ص) جيشه وعزيمته ، وتكتّم على مسيره ، وسلك طرقاً تحفظ سريّة تحرّكه ، معتمداً على أدلاء لتشخيص الطريق ، فلم يشعروا إلا وجيش المسلمين قد نزل بساحتهم ليلاً .
وحين فوجئوا بقوّات المسلمين ، اجتمع قادتهم وذوو الرأي فيهم لاعداد خطّة المواجهة ، وصدّ الهجوم عن حصونهم .
وبدأ الهجوم على الحصون بإرسال رسول الله (ص) أبا بكر ، (فرجع ولم يكُ فتح وقد جهد) .
قال الطبري: (أعطى رسول الله (ص) اللِّواء عمر بن الخطّاب ونهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول الله (ص) يجبِّنه أصحابه ويجبِّنهم ، فقال رسول الله (ص) : «لاعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويُحبّهُ اللهُ ورسولهُ» ، وفي رواية ابن هشام أنّه أضاف : «يفتح الله على يديه ، ليس بفرّار» .
فلمّا كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر، فدعا (ص) عليّاً (ع)...).
وقال له : خُذْ هذه الراية فامض بها حتّى يفتح الله عليك .
أخذ عليّ (ع) الراية ونهض معه جماعة من المسلمين ، وتقدّم إلى حصن خيبر، فخرج من الحصن مرحب قائد اليهود مع جماعة من قومه، فتقاتل مع عليّ (ع)، فبادره عليّ بضربة شقّت رأسه ، وسمع أهل العسكر صوت ضربته .
وهكذا فتح عليّ (ع) الحصن ، فانهارت مقاومة يهود خيبر ، ونصر الله نبيّه نصراً عظيماً ، ودُمِّرت تلك القوّة العسكرية المنيعة .
فتح مكّة
اضطربت العلاقات بين رسول الله (ص) وقريش ، فانضمّت قبيلة خزاعة إلى معسكر الرسول وانضمّت قبيلة كنانة إلى معسكر قريش .
وشاء الله سبحانه أن تتهيّأ أسباب النصر الكبير ، فينشب الصراع بين كنانة وخزاعة، وتهجم كنانة على خزاعة، وتنضم قريش إلى حلفائها في الهجوم على خزاعة ، وبذلك اخترقت قريش معاهدتها مع الرسول (ص) ونقضت تعهّداتها ، وطلبت خزاعة من الرسول (ص) نصرتها فأجابها إلى ذلك .
جهّز الرسول (ص) جيشاً من عشرة آلاف مقاتل ، وسار به سرّاً لمباغتة قريش في العاشر من شهر رمضان سنة ثمان للهجرة ، وتمكّن جيش المسلمين من بلوغ مكّة ومحاصرتها دون علم قريش .
ويلتقي العبّاس بن عبدالمطلّب عمّ النبيّ بأبي سفيان زعيم المشركين خارج مكّة ، ويشير عليه أبو سفيان أن يذهب به إلى الرسول (ص) فيستأمن له .
ذهب العبّاس إلى النبي (ص) حاملاً طلب أبي سفيان ، فيقول له (ص) : «إذهب فقد أمنّاه حتّى تغدو به عليّ بالغداة» .
في اليوم التـالي ، يقف أبو سفيان أمام الرسول (ص) ، وينطق بالشهادتين خوفاً على حياته ، بعد أن حذّره العبّاس من ذلك ، وهكذا تنهار قمة القيادة الوثنية ، ثمّ أصدر رسول الله (ص) بياناً ضمّنه الامان لقريش .
لقد تحقّق النصر ودخل رسول الله (ص) مكّة فاتحاً منتصراً من غير قتال ، ولا سفك دماء ، غير بعض الحوادث الّتي وقعت بغير علم الرسول (ص) .
وقف (ص) على باب الكعبة وقال:
«لا إله إلاّ الله وحده . صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده . ألا كلّ دم أو مأثرة أو مال يدّعى فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة البيت وسقاية الحجّ» .
وهكذا انهار تيّار المقاومة ، وحطّم رسول الله (ص) أعظم حصون الشرك والجاهلية ، بعد صراع عنيف استمرّ واحداً وعشرين عاماً ، وبذا ثبتت الدولة والدعوة الاسلامية أركانها في أرض الجزيرة، وتحقّق الفتح المبين .
وتلاحقت موجات النصر
جاء نصر الله تعالى وفتح المسلمون مكّة ، وبلغت أصداء النصر إلى قبيلة هوازن ، فنظّم قائدها جيشاً كبيراً لصدّ المسلمين .
ولمّا بلغ الرسول (ص) ما أقدمت عليه هوازن، زحف عليها باثني عشر ألف مقاتل ، لكن هوازن اتّخذت مواقعها على قمم جبال حنين ، وعند مضيق الوادي ، وقاتل المسلمون ببسالة ، فانهزم العدو مولِّياً الادبار ، ودخل الطائف .
كانت الطائف تقطنها قبيلة ثقيف الّتي حصّنتها تحصيناً تامّاً ، لكن المسلمين أحكموا حصارها، فاستسلمت هوازن وثقيف، وراحت جموعهم تعتنق الاسلام .
بعد عودة الرسول (ص) إلى المدينة ، تواردت الأنباء من أنّ الروم يعتزمون غزو الاجزاء الشمالية من الجزيرة العربية ، فقرّر الرسول (ص) أن يصدّهم بنفسه، وأصدر أوامره لاستنفار المسلمين في المدينة وخارجها .
استخلف الرسول (ص) عليّاً (ع) لادارة المدينة المنوّرة ، لكن عليّاً أراد صحبة الرسول (ص) في غزوته ، فقال له (ص) :
«أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».
سار جيش المسلمين وكان تعداده ثلاثين ألفاً ، حتّى بلغ تبوك على الحدود الفاصلة بين الجزيرة العربية والدولة الرومانية ، فخاف الروم من جيش المسلمين، وهربت قوّاتهم إلى داخل حدودهم قبل وصول الجيش بأيّام ، وعاد الرسول (ص) إلى المدينة .
مشروع البراءة
في موسم الحج في السنة التاسعة من الهجرة، حيث نزلت سورة التوبة الّتي ألغت كل مخلّفات الشرك ، وأنهت كلّ وجود للمشركين في مكّة ، أمر رسول الله (ص) أبا بكر بتبليغها لمن تبقّى من المشركين ، والّذين يحضرون غالباً عند البيت الحرام في الموسم ، لأداء الحجّ على طريقتهم.
فلمّا كان أبو بكر في بعض الطريق لتبليغ السورة ، هبط المَلكُ الأمين جبرئيل (ع) بالأمر من الله لرسوله (ص) أن يتولّى التبليغ عليّ بن أبي طالب (ع) ، فبعث رسول الله (ص) كتاباً إلى أبي بكر ، يأمره بإعطاء الكتاب الّذي يحمل السورة المباركة إلى عليّ (ع) .
عاد أبو بكر إلى الرسول (ص) كئيباً ، فقال له : أنَزَلَ فيَّ شيء ؟ قال له رسول الله (ص) : «لا ، إلا أنّي أُمِرتُ أن اُبلِّغه أنا أو رجلٌ من أهل بيتي» .
وسار عليّ (ع) إلى مكّة ، ووقف بمنى ، حيث قرأ السورة المباركة ، ثمّ نادى بأعلى صوته :
(لا تدخل الكعبة إلاّ نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومَنْ كان له عهد عند رسول الله (ص) فعهده إلى مدّته ، ومَنْ لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر) .
وبهذا البيان طويت آخر صفحة للشرك في مكّة المكرمة ، وعادت الكعبة لله وحده ، لا يُعبد فيها غيره سبحانه ، ولا تُقام فيها غير شعائر دينه العظيم .
حجّة الوداع
جاء موسم الحج من السنة العاشرة ، فدعا رسول الله (ص) الناس إلى الحج ، وأعلمهم أنه عازم على أداء الفريضة ، فاجتمع إليه الناس من أنحاء الجزيرة كّلها ، حتّى تكاملوا مائة ألف أو يزيدون .
سار الرسول (ص) بتلك الجموع الكثيرة قاصداً حج بيت الله تعالى ، فدخلوا مكّة وأدّوا مناسكهم ، حتّى اذا توجّهوا إلى عرفة وقف رسول الله (ص) على راحلته وألقى خطبته الشهيرة .
ولمّا أتمّ الرسول (ص) حجّه قفل راجعاً إلى المدينة ، ومعه ذلك الحشد العظيم من المسلمين .
في الطريق وعند غدير خم ـ منطقة قرب الجحفة شمال مكّة ـ ينزل عليه وحي الله تعالى يدعوه لتعيين عليّ بن أبي طالب أميراً للمؤمنين بعده .
إستوقف الرسول (ص) المسلمين على مفترق للطّرق ، سيتفرّقون عنده ، وربّما لن يسمع الكثير صوته بعد ذلك اليوم .
وقف رسول الله (ص) على رحال جُمعت له ، حتّى يراه جميع الناس ويسمعوه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :
«أيُّها الناس! يوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنِّي مسؤول وإنّكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون ؟ » .
قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت وجاهدت ، ونصحت فجزاك الله خيراً .
فقال : «أليسَ تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ، وأن ناره حقّ، وأن الموت حقّ ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور ؟ » .
قالوا : نشهد بذلك .
قال : اللّهمّ اشهد .
ثمّ قال : أيُّها الناس ! إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمَنْ كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَن عاداه) .
ثمّ نزل (ص) وصلّى ركعتين ، فأذّن مؤذّنه للظهر ، وصلّى بأصحابه .
الوصيّة الاخيرة
كانت اُولى مهام الرسول (ص) بعد عودته من حجّة الوداع ، أن يغزو الروم الّذين يتهدّدون دولته من الشمال ، فبدأ يجهِّز جيشاً ضخماً لغزوهم ، ضمّ عليّة القوم وشيوخ المهاجرين والأنصار ، كأبي بكر وعمر وعثمان وسواهم ، وقد عيّن لقيادته الصحابي الشاب اُسامة بن زيد بن حارثة ، وأثناء تجهيزه الجيش تعرّض رسول الله (ص) لمرض شديد .
أخذ المرض يشتدّ على الرسول (ص)، وفي تلك الساعة العصيبة كان يؤكِّد باسـتمرار على وجوب تسيير جيش اُسامة ، وعدم التخلّف عنه ، لكن البعض تخلّف عن تنفيذ طلب النبيّ (ص) بحجّة أنّهم لا يرغبون مفارقة الرسول (ص) .
في آخر ساعاته خاطب (ص) من حضر عنده من أصحابه بقوله: «ائتوني بدواة وكتف ، لأكتب إليكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً» .
وكان في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال عمر : إنّ الرجل ليهجر ـ قد غلبه الوجع ـ وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله .
فاختلفوا وكثر اللّغط ، واختصموا ، فمنهم مَن يقول قرِّبوا يكتب لكم رسول الله (ص)، ومنهم يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللّغط والاختلاف، غمّ رسول الله (ص) وقال: «قوموا عنِّي ، ولا ينبغي عندي التنازع» .
وكان ابن عبّاس يعبِّر عن أساه لما حدث بقوله: الرزيّة كل الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله (ص) .
قد اُغمي على رسول الله (ص) من شدّة المرض ، وبعد أن أفاق (ص) قال القوم : ألا نأتيك بدواة وكتف ؟ فرفض الرسول (ص) قائلاً :
« أبعد الّذي قلتم ؟ ولكنِّي أُوصيكم بأهل بيتي خيراً » .
ولمّا قرب أجله أوصى عليّاً بجميع وصاياه ، وفاضت نفسه الطاهرة في حجر عليّ (ع) . وهكذا خسرت الانسـانية أعظم هاد وأجلَّ مربٍّ عرفته الارض والسّماء .
المصدر:شبكة نور الإسلام