طعن عمر بن الخطاب ، قال طبيبه لا أرى أن تمسي ، فما كنت فاعلا فافعله واشتد به المرض ، وأخذ يتذكر ويتوجع فيقول : ( لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع ، الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر ) ، وقال لابنه عبد الله : ( ضع خدي على الأرض لا أم لك ) ( 1 ) .
ومع هذا فقد كتب عمر وصيته وتوجيهاته النهائية وعهد عمر للستة نظريا ولعثمان عمليا ، وأمر بضرب عنق من يخالف تعليماته ( 2 ) ! !
لقد كتب عمر أثناء مرضه ما أراد ولم يعترضه أحد ، لم يقل أحد بأن المرض قد اشتد بعمر ، ولم يقل أحد بأن عمر قد هجر كما ردد عمر وزعماء حزبه ومرتزقته هذا القول الفاحش أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! ولم يقل أحد عندنا كتاب الله وهو يغنينا عن وصيتك يا عمر وعن توجيهاتك النهائية ! ! إنما قوبل عمر بكل التوقير والتقديس والاحترام ونفذت وصيته وتعليماته النهائية حرفيا كأنها كتاب منزل من عند الله بل وأكثر ! ! فهل لعمر وأبي بكر قداسة عند القوم أكثر من رسول الله ! ! وبأي كتاب قد أنزل الله بأن الاثنين أولى بالاحترام والطاعة من رسول الله ؟ ! لن تجرؤ على القول بأن فعلهما هذا يستحق اللوم على الأقل لأن العامة والخاصة من أولياء الخلافة التاريخية الذين أشربوا ثقافة التاريخ سيدفنوك حيا إن فعلت ذلك ! ! فهم يعتقدون أن الولاء للخلفاء جزء لا يتجزأ من الولاء لله ، فلو قمت الليل وصمت النهار أبدا ، وكنت غير موال للخلفاء ، لأحلوا سفك دمك حتى بالأشهر الحرم ! ! فمن الممكن أن يخطئ النبي بعرفهم فهو بشر ! ! لكن من غير الجائز أن تقول أن أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو غيرهم قد أخطأ ! ! أولياء الخلافة التاريخية يعتقدون أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم قد فعلوا ذلك برسول الله لحكمة كانت خافية على الناس ! ! أو فعلوا ذلك ( اجتهادا ) وبالتالي فإنهم - الخلفاء - مأجورون أجرا واحدا على إهانتهم لرسول الله وعقوقهم له ومعصيتهم لأوامره ! ! إن هذا لهو البلاء المبين ! ! فمع أن معاوية قد هلك ، وزال ملكه إلى غير رجعة ، إلا أنه ما زال للآن يحكم الأكثرية الساحقة من المسلمين من خلال ثقافة الانحراف التي أوجدها ، وأرسى قواعدها ، وجذورها في نفوس المسلمين ، وزينها لهم ، فتوارثها المسلمون جيلا بعد جيل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، لأن هذه ليست مصيبة فحسب بل إنها أكبر المصائب ! ! فما قيمة سنة الرسول عند من يعاملون الرسول أثناء مرضه بهذه المعاملة القاسية والغاشمة ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 64 ، وكتابنا الخطط السياسية ص 367 - 369 ، وكتابنا المواجهة ص 511 وما فوق .
( 2 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 347 وأنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 18 ، وتاريخ الطبري ج 5 ص 23.
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟ | القسم : مكتبة المُستبصرين