في أول اجتماع سياسي عام لأبي بكر الخليفة الأول أمر المسلمين " بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله " ( 1 ) وكلام الخليفة الأول من الوضوح بحيث أنه لا يحتاج إلى تأويل فهو يمنع علنا رواية سنة الرسول ، وفي الوقت نفسه الذي منع فيه الخليفة الأول رواية سنة الرسول منع ضمنا كتابة سنة الرسول حيث أحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله وكتبها بخط يده ( 2 ) وتلك رسالة واضحة إلى المسلمين مفادها " لا ترووا سنة الرسول ولا تكتبوها ! ! ! " .
لم تكن هذه سياسة الخليفة الأول فحسب بل كانت سياسة ولي عهده وشريكه في أمره عمر بن الخطاب ، ومن يتتبع سيرة عمر ، وما ذكرناه في الفصول السابقة ، لا يشك إطلاقا بأن عم هو الذي زرع في ذهن الخليفة فكرتي ، منع رواية السنة ، وإحراق الأحاديث التي كتبها ! ! لأن عمر بن الخطاب هو أول مخترع لشعار " حسبنا كتاب الله " ! ! ! وهو الشعار الذي برر به أبو بكر ما فعل ! ! !
ولما آلت الأمور إلى عمر بن الخطاب ، وتولى الخلافة خالف صاحبه شكلا واتفق معه بالمضمون ! ! ! ووسع إطار المنع والإحراق ، وجعلهما سياسة علنية عامة لدولته ! ! ! فأبو بكر منع رواية سنة الرسول أولا ، ثم أحرق سنة الرسول المكتوبة عنده ، أما عمر فقد جمع سنة الرسول المكتوبة عند الناس والكتب المحفوظة لديها فأحرقها أولا " ( 1 ) .
ثم عمم على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه " إن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه " ( 2 ) كما فصلنا ذلك من قبل ! ! ولما تصور الخليفة عمر بن الخطاب أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين ، والكتب المحفوظة لديهم ، تفرغ لمنع رواية سنة الرسول وقد اتخذ هذا المنع أشكالا متعددة ، وبالرغم من تعدد الأشكال فإنها تخدم غاية واحدة لا تخفى حتى على عامة الناس وجهلتهم وهي رغبة الخليفة بأن يجتث سنة الرسول من الوجود ، وأن لا يبقى منها إلا تلك التي لا تتعارض مع توجيهات الدولة ووجودها وسياستها ، أو التي تخدم مصالح الدولة كما سنرى ! !
ولأن الخليفة هو الرئيس العام للمجتمع الإسلامي ، وهو الخليفة الواقعي لرسول الله ، كان لا بد له من ذريعة أو شعار مقنع للناس ليبرر هجومه الضاري على سنة الرسول وليبعد عن نفسه ظنون الناس وتقولاتهم ، فأوجد شعار " حسبنا كتاب الله ، ولا كتاب مع كتاب الله ! ! " وهو أول من أوجد هذا الشعار ! ! فعمر يريد القرآن ، والقرآن وحده ، ولا شئ سواه ، ولا شئ معه ، ولا يريد عمر أن يشغل المسلمين عن القرآن شاغل فالقرآن هو كتاب الله النافذ الأوحد ، وقانون المجتمع فلا كتاب معه ، ولا قانون سواه ! !
وسنرى أن تلك شعارات للتبرير ولكن لا يمكن تطبيقها ، ولم يكن الخليفة جادا بتطبيقها ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تذكرة الحافظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3 ، والأنوار الكاشفة ص 53 ، وتدوين السنة الشريفة للجلالي ص 423 .
( 2 ) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5 ، وكنز العمال ج 10 ص 85 ، والاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30 ، وتدوين السنة الشريفة ص 264.
( 1 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 140 .
( 2 ) كنز العمال ج 10 ص 291 .
أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟ | القسم : مكتبة المُستبصرين