1 - التهديد والضرب
2 - الحبس
3 - إرهاب ورعب لا مثيل في التاريخ
1 - روي عن قرظة بن كعب أنه قال : ( لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا إلى حرار ، ثم قال : أتدرون لما شيعتكم ؟ قلنا : أردت أن تشيعنا وتكرمنا فقال عمر : إن مع ذلك لحاجة ، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم ، قال قرظة فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ) ( 1 ) .
وفي رواية أخرى ، فلما قدم قرظة بن كعب قالوا : ( حدثنا فقال قرظة : نهانا عمر ) ( 2 ) .
فقرظة قد فهم بأن عمر ينهى عن الحديث عن رسول الله بدليل قوله : ( فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ) .
2 - قال عبد الرحمن بن عوف : ( ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق ، عبد الله بن حذيفة ، وأبو الدرداء ، وأبو ذر وعقبة بن عامر فقار : ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق ؟ فقالوا تنهانا ! ! قال : لا ، أقيموا عندي ، لا والله لا تفارقوني ما عشت ، فنحن أعلم نأخذ منكم ، ونرد عليكم ) ( 3 ) .
3 - ووصى عمر أبا موسى الأشعري عندما بعثه إلى العراق بمثل ما وصى به قرظة بن كعب ( 4 ) .
4 - خطب عمر بن الخطاب فقال : ( . . . من قام منكم فليقم بكتاب الله ، وإلا فليجلس فإنكم قد حدثتم الناس ، حتى قيل قال فلان وقال فلان ، وترك كتاب الله ) ( 5 ) .
5 - قال الشعبي : ( جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا ) ( 6 ) .
6 - قال سعيد بن المسيب : ( كتب إلى أهل الكوفة مسائل ألقى فيها ابن عمر ، فلقيته فسألته من الكتاب ، ولو علم أن معي كتابا لكانت الفيصل بيني وبينه ) وهذا يعني أن عبد الله بن عمر ملتزم التزاما تاما بنهي أبيه عن سنة رسول الله ! ! ويجدر بالذكر أيضا أن حفصة بنت عمر كانت تعارض التدوين ، وكأن معارضة كتابة ورواية سنة رسول الله خلق في آل عمر ! ! ( 7 ) .
التهديد والضرب :
1 - قال عمر بن الخطاب لأبي هريرة : ( لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس ) ( 8 ) وقال له أيضا : ( لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض الفيح يعني أرض قومه ) ( 9 ) .
2 - يبدو أن أبا موسى قد روى حديثا ، فسمعه عمر بن الخطاب ، أو سمع به عمر بن الخطاب فقال لأبي موسى : ( والله لتقيمن عليه البينة ) ، وفي لفظ مسلم ( أقم عليه البينة وإلا أو جعلتك ) ( 10 ) .
3 - ويبدو أيضا أن عمر بن الخطاب قد سمع بأن أبي بن كعب قد روى حديثا عن رسول الله فأخذ عمر بمجامع أبي بن كعب وقال له : ( لتخرجن مما قلت ! ! ! أي يجب أن تتنصل من رواية هذا الحديث ! ! وقاد أبي إلى المسجد ، فأوقفه على حلقة من أصحاب الرسول ، منهم أبو ذر ، فقال أبو ذر : أنا سمعته أيضا من رسول الله ، فأرسله ) ( 11 ) وفي رواية أنه قال لأبي : ( لتأتيني على ما تقول ببينة ) ( 12 ) .
4 - ضرب عمر أبا هريرة بالدرة وقال له : ( قد أكثرت من الرواية ، وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله ) ( 13 ) .
5 - قال أبو هريرة : ( ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر ) ( 14 ) وكان أبو هريرة يقول : ( لو كان عمر حيا لما سمح له برواية حديث رسول الله ولضربه بالدرة ) ( 15 ) .
6 - قال أبو هريرة : ( لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة ) ( 16 ) .
7 - قال أبو سلمة : ( سألت أبا هريرة أكنت تحدث في زمن عمر هكذا ؟ قال أبو هريرة لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمحففته ) ( 17 ) .
8 - وقال : ( ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر ) ( 18 ) .
9 - قال الأحنف بن قيس : ( أتيت الشام ، فجمعت فإذا رجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها منه ، يصلي ويخفف صلاته ، قال فجلست إليه ، فقلت يا عبد الله من أنت ؟ قال : أنا أبو ذر ، فقال لي : من أنت ، قال : قلت الأحنف بن قيس ، قال : قم لا أعدك بشر ، فقلت له : كيف تعدني بشر ، قال : إن هذا - يعني معاوية - نادى مناديه ألا يجالسني أحد ) ( 19 ) هذا أبو ذر الذي وصفه الرسول بأنه أصدق الناس لهجة ، وخير من أقلت الغبراء وأظلت السماء ! ! وهذا ما يتعرض له من والي عمر على بلاد الشام بسبب إصراره على رواية سنة الرسول ! ! !
10 - قال ابن الأثير : ( كان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ختم في يد جابر وفي عنق سهل بن سعد الساعدي وأنس بن مالك يريد إذ لا لهم ، وأن يتجنبهم ولا يسمعوا منهم ) ( 20 ) .
الحبس وإرهاب ورعب لا مثيل في التاريخ
11 - بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود وإلى أبي الدرداء وإلى أبي مسعود الأنصاري فقال : ( ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله ، فحبسهم بالمدينة حتى استشهد ) ( 21 ) .
12 - إن عمر قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر : ( ما هذا الحديث عن رسول الله ، وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب ) ( 22 ) .
13 - قال الذهبي : إن عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال : ( لقد أكثرتم الحديث عن رسول الله ) ( 23 ) .
14 - قال ابن عساكر : ( ما خرج ابن مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلا من حبس عمر في هذا السبب ) ( 24 ) .
لما مرض النبي تنكرت له زعامة بطون قريش ، واستخفت هذه الزعامة الأكثرية من المجتمع فتبعتها رغبة أو رهبة ! وواجهت تلك الزعامة الغاشمة رسول الله وهو على فراش الموت ، ومعها جموع الغوغاء ، فقالوا لرسول الله : أنت تهجر - أي لا تعي ما تقول - والقرآن وحده يكفينا ، ولسنا بحاجة لوصيتك ولا لتوجيهاتك النهائية ! ! وبعد أن قبضت زعامة البطون على مقاليد الحكم ، أحرقت سنة رسول الله المكتوبة عند المسلمين ، كما أحرقت الكتب المحفوظة لديهم ، ومنعت منعا باتا رواية سنة رسول الله ورفعت شعار ( حسبنا كتاب الله ، ولا كتاب مع كتاب الله ! ! ) .
وصارت رواية السنة التي تكشف شناعة ما جرى من الجرائم الكبرى وفرض الإرهاب والرعب على المسلمين ، وهو إرهاب ورعب لا نظير لهما في التاريخ البشري كله .
وقد وصف حذيفة أمين سر رسول الله حجم الإرهاب والرعب المفروضين آنذاك بقوله : ( لو كنت على شاطئ نهر ، وقد مددت يدي لأغترف ، فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل ) ( 25 ) .
وحذيفة ليس شخصا عاديا إنما هو أحد كبار الصحابة الكرام ، وأمين سر رسول الله على المنافقين ! ! ومع هذا فهو يؤكد تأكيدا قاطعا بأنه لو حدثت الناس بما سمعه من رسول الله ، وكشف بعض الحقائق لقتلته زعامة بطون قريش والجموع التي تؤيدها قبل أن يرتد إليك طرفك ! ! لأن الزعامة الغاشمة والجموع معا لا يريدون إلا طمس الحقائق الشرعية ! ! !
ويؤكد هذا المناخ من الرعب والإرهاب أبو هريرة المعروف بموالاته للغالب حيث قال : ( حفظت من رسول الله وعائين ، أما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ) ( 26 ) .
ووضح أبو هريرة الصورة قليلا في ما بعد قائلا : ( إني لأحدث أحاديثا لو تكلمت بها زمن عمر لشج رأسي ) ( 27 ) .
وفي زمن عمر بن الخطاب عزم أبي بن كعب - أحد أكابر الصحابة - أن يتكلم في الذي لم يتكلم به بعد وفاة رسول الله فقال أبي : ( لأقولن قولا لا أبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني ) ( 28 ) .
لقد صمم هذا الصحابي الكبير على كشف الحقائق الشرعية ، وترقب الناس اليوم الذي حدده كعب لكشف الحقائق التي سمعها من رسول الله وفجأة ، قال قيس بن عبادة : ( رأيت الناس يموجون ، فقلت ما الخبر ؟ فقالوا : مات سيد المسلمين أبي بن كعب ، فقلت : ستر الله على المسلمين حيث لم يقم الشيخ ذلك المقام . . ) ( 29 ) .
أنت تلاحظ أن المنية ما أدركت هذا لأصحابي الجليل إلا قبل الوقت المحدد لكشف الحقائق ! ! ! ويقينا أن أبي بن كعب قد قتل بالطريقة نفسها التي قتل فيها سعد بن عبادة سيد الخزرج .
والخلاصة أن منع كتابة ورواية سنة الرسول ، والعزم على اجتثاثها من الوجود ، وكتمان الحقائق الشرعية التي تصطدم مع الواقع السياسي قد تحول إلى قانون أساسي نافذ المفعول في كافة أرجاء دولة الخلالة ! ! ومن يخرج على هذا القانون فإن عقوبته الموت ! !
لم تعد هنالك قيمة للنفس البشرية ولا لأية حرمة من الحرمات فعلي بن أبي طالب يهدد بالقتل ، وأهل بيت النبوة يسامون سوء العذاب وتصادر حقوقهم بالتركة ، والمنح التي أعطيت لهم ، ويحرمون من سهم ذوي القربى ، وباليوم الثاني لوفاة الرسول تشرع دولة الخلافة بحرق بيت بنت رسول الله على من فيه وفيه فاطمة بنت الرسول وعلي والحسن والحسين وبنو هاشم وكبار المعزين ! !
ومع هذا فلم ينه أحد من الناس عن منكر من هذه المنكرات لا بيد ولا بلسان ! ! وطرحت فاطمة بنت رسول الله قضيتها أمام كبار القوم ، بأوضح لغة وأفصح لسان ، فسمعوها جميعا ، وبكى بعضهم ومع هذا لم يجرؤ أحد منهم على الكلام ! ! إنه الإرهاب والرعب ! ! ومع أن الإرهاب قد ولى ، والرعب قد زال ، إلا أن نفوس المسلمين ما زالت مسكونة بالرعب والإرهاب ، لأنها قد أشربت روح التاريخ وثقافته ! ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) أخرجها ابن عبد البر بثلاثة أسانيد في جامع بيان العلم باب ذكر من ذم الإكثار من الحديث ج 2 ص 147 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 4 - 5 ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 6 ص 7 ، وسنن الدارمي ج 1 ص 73 ، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 73 ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 1 ص 110 ، ومعالم المدرستين ج 2 ص 45 ، وتدوين السنة الشريفة ص 431 .
( 2 ) المصدر السابق .
( 3 ) الحديث رقم 4865 من الكنز الطبعة الأولى ج 5 ص 239 ومنتخبه ج 4 ص 61 .
( 4 ) المستدرك للحاكم ج 1 ص 125 ، والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107 ، وتدوين السنة الشريفة ص 433 .
( 5 ) أخبار المدينة ج 3 ص 800 .
( 6 ) الحديث والمحدثون ص 68 ، وتدوين السنة الشريفة ص 471 .
( 7 ) تدوين السنة الشريفة ص 471 .
( 8 ) المحدث الفاضل ص 554 رقم 746 ، والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 160 ، وتدوين السنة الشريفة ص 431 .
( 9 ) أخبار المدينة المنورة لابن شيبة ج 3 ص 800 .
( 10 ) صحيح مسلم ج 3 ص 1694 ، وموطأ مالك ج 2 ص 964 بلفظ آخر والرسالة للشافعي ص 43 .
( 11 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 4 ف 1 ص 13 - 14 .
( 12 ) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 8 .
( 13 ) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 67 ، 68 .
( 14 ) البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107 .
( 15 ) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 7 ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 2 ص 121 .
( 16 ) جامع بيان العلم لابن عبد البر ج 2 ص 121 .
( 17 ) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 7 .
( 18 ) البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107 ، وتدوين السنة الشريفة ص 486 - 487 .
( 19 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 4 ص 168 .
( 20 ) أسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 472 الطبعة الحديثة ترجمة سهل ، وتدوين السنة ص 478 .
( 21 ) الكامل لابن عدي ج 1 ص 18.
( 22 ) المستدرك للحاكم ج 1 ص 110 وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 .
( 23 ) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 7 .
( 24 ) مختصر تاريخ دمشق ج 17 ص 101 ، وتدوين السنة الشريفة ص 437.
( 25 ) كنز العمال ج 13 ص 345 نقلا عن ابن عساكر ، وراجع كتابنا الاجتهاد ص84.
( 26 ) صحيح البخاري ج 1 ص 34 .
( 27 ) البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107 .
( 28 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 501 ، والحاكم باختصار ج 2 ص 329 وج 3 ص 303 .
( 29 ) المسترشد لابن جرير الطبري ، ومعالم الفتن لسعيد أيوب ج 1 ص 257 ، وكتابنا الاجتهاد .
أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟ | القسم : مكتبة المُستبصرين