حينئذ نرجع إلى بحث الافضليّة في كتاب المواقف وشرح المواقف(1) يقول:
المقصد الخامس: في أفضل الناس بعد رسول الله، هو عندنا وأكثر قدماء المعتزلة أبو بكر، وعند الشيعة وعند أكثر متأخّري المعتزلة علي.
فيظهر إلى هنا: إنّ الدليل عندهم على إمامة أبي بكر: الاجماع والافضليّة، بناء على اعتبار الافضليّة في الامام، والنصّ عندهم مفقود.
أمّا نحن، فقد أقمنا الادلّة الثلاثة كلّها على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
هم يقولون بعدم النصّ على أبي بكر ويعترفون بهذا، فتبقى دعوى الافضليّة، ثمّ دعوى الاجماع على إمامة أبي بكر.
فلننظر إلى أدلّتهم في الافضليّة:
الدليل الاول:
قوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لاَِحَد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَة تُجْزَى)(2) .
يقول في شرح المواقف: قال أكثر المفسرين وقد اعتمد عليه العلماء: إنّها نزلت في أبي بكر، فهو أتقى، ومن هو أتقى فهو أكرم عند الله تعالى، لقوله عزّوجلّ: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)(3) ، فيكون أبو بكر هو الافضل عند الله سبحانه وتعالى.
ولا ريب أنّ من كان الافضل والاكرم عند الله، فهو المتعيّن للامامة والخلافة بعد رسول الله، وهذا لا إشكال فيه، من كان الاكرم والافضل عند الله فهو المتعيّن للامامة والخلافة بعد رسول الله، فيكون أبو بكر هو الافضل، الافضل من الاُمّة كلّها بعد رسول الله، فهو المتعيّن للخلافة بعده (صلى الله عليه وسلم).
الدليل الثاني:
قوله (صلى الله عليه وسلم): «إقتدوا باللَّذين من بعدي أبي بكر وعمر».
فإنّ «اقتدوا» أمر، والخطاب لعموم المسلمين، وهذا الخطاب العام يشمل عليّاً، فعلي أيضاً مأمور بالاقتداء بالشيخين، فيجب على علي أنْ يكون مقتدياً بالشيخين، والمقتدى هو الامام.
وهذا حديث نبوي يروونه في كتبهم، فحينئذ يكون دليلاً على إمامة أبي بكر، وخلافة عمر فرع خلافة أبي بكر، فإذا ثبتت خلافة أبي بكر ثبتت خلافة عمر، وليس البحث الان في خلافة عمر بن الخطّاب.
الدليل الثالث:
إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لابي الدرداء: «والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر».
وهذا في الحقيقة يصلح أنْ يكون نصّاً على إمامة أبي بكر، والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر، فيكون أبو بكر أفضل من علي، وتقديم المفضول على الفاضل أو تقديم
الفاضل على الافضل قبيح، فيكون أبو بكر هو المتعين للخلافة والامامة بعد رسول الله.
الدليل الرابع:
قوله (صلى الله عليه وسلم) لابي بكر وعمر: «هما سيّدا كهول أهل الجنّة ما خلا النبيين والمرسلين».
ومن كان سيّد القوم، ومن كان كبير القوم، فهو الامام بينهم، هو المقتدى بينهم، هو المتّبع لهم، وعلي أيضاً من الناس، فيكون علي من جملة من عليه أن يتّبع الشيخين وهما سيّدا كهول أهل الجنّة.
الدليل الخامس:
قوله (عليه السلام): «ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أنْ يتقدم عليه غيره».
إذن، غير أبي بكر لا يجوز أنْ يتقدّم على أبي بكر، وهذا يشمل عليّاً أيضاً، فعلي لا يجوز له أنْ يتقدم على أبي بكر، ولا يجوز لاحد أن يدّعي التقدم لعلي على أبي بكر، لانّه سيخالف قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
الدليل السادس:
تقديمه ـ أي تقديم النبي أبا بكر ـ في الصلاة مع أنّها أفضل العبادات، فأبو بكر صلّى في مكان النبي (صلى الله عليه وسلم) في مرض النبي، وكانت صلاته تلك على ما يروون بأمر من النبي، والصلاة أفضل العبادات، فإذا صلّى أحد في مكان النبي وأمّ المسلمين بأمر من النبي، فيكون هذا الشخص صالحاً لانْ يكون إماماً للمسلمين بعد النبي.
الدليل السابع:
قوله (صلى الله عليه وسلم): «خير أُمّتي أبو بكر ثمّ عمر».
وهذا أيضاً حديث يروونه في كتبهم.
الدليل الثامن:
قوله (صلى الله عليه وسلم): «لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربي لاتّخذت أبا بكر خليلاً».
الدليل التاسع:
قوله (صلى الله عليه وسلم) وقد ذكر عنده أبو بكر فقال رسول الله: «وأين مثل أبي بكر، كذّبني الناس وصدّقني، وآمن بي وزوّجني ابنته، وجهّزني بماله، وواساني بنفسه، وجاهد معي ساعة الخوف».
الدليل العاشر:
قول علي (عليه السلام): «خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ الله أعلم».
هذه هي عمدة أدلّتهم على أفضليّة أبي بكر، تجدون هذه الادلّة في: كتب الفخر الرازي، وفي الصواعق المحرقة، وفي شرح المواقف، وفي شرح المقاصد، وفي عامة كتبهم من المتقدمين والمتأخرين، وحتى المعتزلة، أي المعتزلة أيضاً يشاركون الاشاعرة في الاستدلال بمثل هذه الادلّة على إمامة أبي بكر، إلاّ المعتزلة المتأخّرين الذين لا يقولون بأفضليّة أبي بكر، وإنّما يقولون بأفضليّة علي، لكن المصلحة اقتضت أن يتقدّم أبو بكر على علي في الامامة.
_______________________________
(1) شرح المواقف 8 / 365.
(2) سورة الليل: 17.
(3) سورة الحجرات: 13.
المصدر: مركز الأبحاث العقائدية