در حال بارگذاری؛ صبور باشید
منبع :
سه‌شنبه

۲ فروردین ۱۳۹۰

۱۹:۳۰:۰۰
41160

مَن هُم بنو اُميّة ؟

          يفصح القرآن الكريم معلناً بقوله: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنةً للناس والشجرة الملعونة في القرآن»(1) ويحدّثنا التفسير في سب


  
   
  
يفصح القرآن الكريم معلناً بقوله: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنةً للناس والشجرة الملعونة في القرآن»(1) ويحدّثنا التفسير في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنّ النبي رأى في المنام أنّ قردة تنزو على منبره فأعلمه جبرئيل أنهم بنو أُميّة يتغلّبون على الأمر فيتنازون على منبره وأنهم هم الشجرة الملعونة، ثم انّ النبي صلّى اللّه عليه وآله لم يستجمع ضاحكاً بعد ذلك حتى مات(2).
وجاء في ذمّ بني أُميّة والطعن فيهم كثير من التنزيل، انظر الحاكم في حديث علي في قوله «وأحلّوا قومهم دار البوار»(3) قال: هما الأفجران من قريش بنو أُميّة وبنو المغيرة، وتفسير ابن جرير في قوله: «وجاهدوا في اللّه حقَّ جهاده»(4) فإنه قال: إن الذين أمر تعالى بجهادهم مخزوم وأُميّة(5)، إلى غير ذلك.
ثمّ انّ الرسول الصادق الأمين صلّى اللّه عليه وآله يتبع القرآن المجيد بقوله: اللهمّ العن بني أُميّة قاطبة، وبأمثال ذلك، لا سيّما فيما يخصّ أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية، ولا تنس ما جاء عنه في آل أبي العاص ولا سيّما في الحّكم وابنه مروان(6).
أترى لماذا يمنح الكتاب المبين أهل البيت بذلك الثناء الجزيل ويذكر بني أُميّة بذلك السوء والذمّ، أيكيل العادل تعالى لأُولئك المدح جزافاً، ولهؤلاء الذمّ اعتداءً، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.
نعم إنّ الطاعة هي التي تُقرّب الخلق من الخالق، وإنّ المعصية هي التي تُبعد العبيد عن البارئ، وإلا فانّ عباده لديه بالعطف واللطف وبالرحمة للمطيع وبالنقمة على العاصي شرع سواء، فإنّه يدخل الجنّة من أطاعه وإن كان عبداً حبشيّاً، والنار من عصاه وإن كان سيّداً قرشيّاً.
فما كان دنّو أهل البيت من حظيرة القدس حتى منحهم تعالى بذلك الوسام الأرفع الذي لم يحظ به بشر سواهم إلا لتقواهم وامتثالهم لأوامره، وما كان بُعد بني أُميّة عن ساحة الرحمة حتى صاروا الشجرة الملعونة في القرآن، وحتى عمَّتهم لعنة الرسول صلّى اللّه عليه وآله مرَّة، وخصّت الكثير منهم اُخرى، مشفوعة بالدعاء عليهم، إلا لعصيانهم لجبّار السموات والأرضين، واستمرارهم على العصيان.
ولو لم يقرئنا التاريخ قدر تلك الطاعة، التي كان عليها أهل البيت ومبلغ ذلك العصيان الذي استقام عليه الاُمويّون، لكفى ذلك التقديس من الجليل في كتابه لاولئك، وهذا الحظ من هؤلاء، كاشفاً عمّا عليه الآل من الطاعة والانقياد، واُميّة من التمرّد والابتعاد.
وهذه النتيجة تلمسها من هذه النصوص الفرقانيّة والأحاديث النبويّة من دون شحذ قريحة وغور في التفكير، نعم لو سبرت السيرة الاُمويّة قبل الاسلام وبعده الى انقراض دولتهم، لعرفت أنّ اللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وآله إنّما كشفا بالكتاب والسنّة عن تلك السيرة والسريرة الفائتتين، وأنبآ عن الآتيتين، وما كان ليخفى على الناس حالهما، ولكنّ كان هذا التصريح قطعاً لاعتذار أوليائهم ودحضاً لمكابرات مشايعيهم، ومع هذه الصراحة من الكتاب والحديث مازال للقوم حتى اليوم أولياء وأشياع، ومدافعون وأتباع.
ولأجل أن تطمئنّ القلوب بهذه الحقيقة، نستطرد نبذاً من أعمال اُميّة وبنيه أخبرنا عنها التاريخ الموثوق به.
مات عبد مناف وترك عدَّة بنين، كان منهم هاشم والمطّلب ونوفل وعبد شمس، وكان هاشم أرجحهم عقلاً وأسماهم فضيلةً فاصطلحت قريش على أن تولّيه الرفادة والسِّقاية(7) وكانتا لأبيه عبد مناف، فكان هاشم حيث رأت قريش، وزاد في شرف أبيه أن سنَّ الرحلتين رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وقد ذكر هاتين الرحلتين الكتاب الكريم(8)، وما كانت غاية هاشم من الرحلتين إلا أن يكثر المال في قريش فيقووا به على إطعام الحاجّ، وهذه فضيلة سامية أرادها هاشم لقومه، وهذا شأن العظام الذين ينحون بقومهم عظائم الاُمور، ومراقي الشرف الرفيعة.
ثمّ تقدم هو في الاطعام ليكون قدوة لقومه، فأطعم وأجزل حتى غنّت الركبان بجوده، وحتّى قال شاعره:
   
عمرو العلى هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مسنّتون عجاف
      
في أبيات مشهورة، فصار يُلقب بهاشم لذلك، وغلب على اسمه عمرو(9) فكان الجود بعض فضائل هاشم التي سوّدته على قريش سادات العرب.
وانشطرت اخوته فصار المطّلب الى جنب هاشم، وصار نوفل وعبد شمس في جانب، وهما ينافسانه ويحاولان أن يجارياه في مفاخره، فيقصر بهما العمل، فكان هاشم لكرم فعاله وجميل خصاله سيّد البطحاء غير مدافع.
ولمّا مات عبد شمس وظهر اُميّة حاول أن يلحق بهاشم في شأنه بما عجز عنه أبوه من قبل، وأين اُميّة من هاشم في سنّه وشأنه، وما ساد هاشم إلا لأنّه مجمع الفضائل، ولم يكن لاُميّة ما يسود به الفتى خلا المال والولد ولا يكفيان للسيادة اذا لم تكن الأعمال تلحقه بالمعارج السامية.
وطمع اُميّة يوماً أن ينافر هاشماً، وذلك إقدام لم يرتقب من مثله لمثل هاشم، ولا نعرف سبباً في قناعة هاشم بهذه المنافرة - وهو سيّد الأبطح وشيخ قريش - سوى علمه بأنه سوف ينفر اُميّة، وبذلك كبح لجماع اُميّة وإذلال لنفسه المتطلّعة لما ليس له كما كان ذلك، فإنّه قد نفره هاشم فأخرجه من مكّة عشر سنين، ولعلّ اُميّة كان يعتقد أن هاشماً سيّد الأبطح لا محالة ينفره، إلا انّه قنع من الشرف أن يُقال ان اُميّة نافر سيّد الحرم وجرى في مضماره.
ولمّا نبغ عبد المطّلب بعد أبيه هاشم وعمّه المطّلب، علا على شرف أهله ومفاخر آبائه، فانبطَّ ماء زمزم ولم يتوفّق لها قرشي من قبل، فحسدته قريش وراموا أن يشاركوه في هذه الكرامة والسقاية منها، فأبى عليهم، وطلبوا محاكمته عند كاهنة هذيل في الشام، وعندما رأوا منه الكرامات في طريقهم الى الشام عدلوا عن محاكمته، وتركوا له زمزماً وسقاية الحاج.
وهو الذي أنذر أبرهة - قائد الأحباش والأمير على اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة - حين جاء من اليمن بجيش كثيف قاصداً هدم البيت ليتحوَّل العرب عن الحجّ اليه، ولم يخرج عبد المطّلب من البيت كما خرجت قريش هاربة من سطوة الأحباش، فكان آخر أمر الأحباش الدمار، كما أفصح عن ذلك الكتاب المجيد(10) فجاء الحال وفقاً لما أنذرهم به سيّد الأبطح.
فكانت قريش تحسده لهذه المفاخر، وصاحب الفضيلة محسود، وما اكتفى اُميّة بما لقيه من منافرة هاشم حتّى حاول منافسة عبد المطّلب، فحمل اُميّة عبد المطّلب على المسابقة، فسبقه عبد المطّلب واستعبده عشر سنين.
وكان حرب بن اُميّة أيضاً يُفاخر عبد المطّلب بوفره وبأهله، تجاهلاً منه بأن الشرف إنّما هو بالفضيلة، والأعمال الجليلة، حتى طلب منافرة عبد المطّلب، وتلك جرأة كبرى يدفعه اليها الحسد والغرور، وإن علم يقيناً أنه لا يشقّ غبار شيخ قريش، غير انّا نحسبه انّه كان يعتقد أن المنافرة وحدها تجعل له المكانة العالية وإن نفره عبد المطّلب، ولقد تعجّب النافر من طمع حرب في منافرة شيخ البطحاء، والأعمال وجدها كافلة بخسران حرب، فقال النافر لحرب:
 
أبوك معاهر وأبوه عفّ *** وذاد الفيل عن بلد حرام
  
وهذا شاهد على ما كان عليه عبد المطّلب وأهله، وحرب وآباؤه من خلّتين شهيرتين دعت وجوه الناس على الحكم لهاشم وولده في كلّ منافرة ومنافسة.
ولا تنس حلف الفضول الذي هو خير حلف عقدته قريش بل العرب كلّها، لردّ عادية الظلم، والانتصار للمظلوم، قد دخل فيه الرسول - عليه وعلى آله السلام - وذلك قبل الاسلام، وقال فيه بعد ذلك: «لو دُعيت إلى مثله لأجبت». ذلك حلف هدّد بالهتاف به الحسين - عليه السلام - معاوية بن أبي سفيان، ووقف للطغاة الغاصبين بالمرصاد. فكم ردَّ من مال نُهب، وعرض غصب، وكان السبب فيه الزبير بن عبد المطّلب، ولم يدخل فيه النوفليّون والعبشميّون، ويحقّ للسائل أن يسأل عن سبب امتناعهم عن الدخول فيه، ألأنّ سببه الهاشميّون ؟ أم لأنه فضيلة سامية ؟ أم لماذا ؟
هذه حال اُميّة لو استطردت بعضها قبل بزوغ شمس الاسلام. وأمّا لو نظرت الى مواقفهم بعد بزوغ تلك الشمس النيّرة، لأيقنت كيف كانت هذه الشجرة جديرة بنزول ذلك الكتاب الكريم، لا لأنّ الايمان لم يدخل أعماق قلوبهم فحسب، لأنهم لم يتركوا ذريعة لستر ذلك النور الساطع إلا توسّلوا بها، ولا معولاً لهدم بنائه الشامخ إلا حملوه، سوى ما كان منهم من أعمال يأباها العدل والمروءة ويمقتها الشرف والفضيلة.
وهل ينسى أحد ما قام به أبو سفيان من إيذاء الرسول قبل الهجرة، وما ألَّبه عليه بعدها، هذه اُحد والأحزاب والحديبيّة وما سواها من أعمال خلّدها التاريخ تنبئك عن حاله، ومن صاحب العِير وصاحب النفير غيره وغير بني أبيه العبشميّين، وكيف ينسى ابن الاسلام تلك الوقائع والتاريخ يذكره بها كلّ حين، وما دخل أبو سفيان وابنه معاوية في الاسلام إلا حين أخذ الاسلام منهما بالخناق، ولم يجدا مفرّاً منه، وقد ألفهما النبيّ الحكيم بعد الفتح بالعطاء الوفر من غنائم حُنين، فأعان الطمع الخوف على ذلك التظاهر والقلوب منطوية على وثنيّتها القديمة وعلى الحسد والحقد وانتهاز الفرصة للوثبة وأخذ تراث الأبناء والأخوال والأجداد، الذين فَرت أوداجهم سيوف الاسلام الصارمة.
ولم يطلق أبو سفيان أن يكتم تلك الضغائن النفسية، فكانت تطفح على فلتات لسانه، وكان اكثرها أيام عثمان(11) لأمانه من المؤاخذة على كلامه، ومن أمِن العقوبة أساء الأدب، وكيف لا يأمن والأمر بأيدي صبيانهم على حدّ تعبيره حين ركل قبر حمزة بن عبد المطّلب برجله.
وأما ابنه معاوية(12) فانه عندما رأى الاسلام قد ضرب بجرانه الأرض، ووشجت أُصوله، وبسقت فروعه، تذرع به إلى اقتلاع جذوره وقد ملك معاوية ناصية البلاد والاسلام غضّ جديد، فخالف كلّ شريعة من شرائعه، وناصب كلّ حكم من أحكامه، سوى أنّه لم يخلع عند الظاهر ربقة الاسلام، وكيف يخلعها وهي الوسيلة لنيله ذلك المُلك الفسيح الأرجاء، المُلك الذي ما كان يحلم به صخر بن حرب بل ولا أُميّة من قبل، وما كان يضرّه من تلك الظاهرة إذا كانت الذريعة لاقتناص مآربه الواسعة، ولتحطيم قواعد الاسلام الرفيعة.
وكفى من حربه لسيّد الرسل حربه لأمير المؤمنين عليه السلام وقد قال فيه الرسول صلّى اللّه عليه وآله: «سلمك سلمي وحربك حربي»(13) وقال فيه:
«تحارب من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين»(14) ولو كان القصد من حربه لأبي الحسن - عليه السلام - الطلب بقتلة عثمان لما أغضى عنهم حين انتهى الأمر اليه، ولا أدري كيف كان معاوية وليّ عثمان والمرتضى هو أمير المؤمنين ووليّهم.
لعمر الحق ما كان شأن معاوية خافياً لندلّل ونأتي بالشواهد عليه، ولو لم يكن حرباً للاسلام ولرسوله لما سنَّ الشفرة للقضاء على آل الرسول، والقرآن يهتف باحترامهم ومودّتهم، والرسول يدعو إلى ولائهم والتمسك بهم، وما ذنبهم لدى معاوية إلا أنّهم عترة الرسول ورهطه، ورعاة الدين ودعاته، ولو صافحهم أو صفح عنهم لم ينل مأربه من الزعامة، ومقصده من حرب الرسول وشريعته(15).
ولم يهلك معاوية مستوفياً لأمانيه من محاربة الرسول والرسالة حتى أرجأ ذلك إلى دعيّه يزيد، غير أن يزيد لم يكن لديه دهاء أبيه معاوية فيدسّ السمّ بالدسم لكيد الاسلام، فمن ثمَّ برزت نواياه على صفحات أعماله واضحة من دون غشاء ولا غطاء، فما أصبح إلا وأوقع بالحسين سبط الرسول وريحانته وسيّد شباب أهل الجنّة، وبرهطه صفوة الناس في الصلاح والفضيلة، وما أمسى إلا وتحكّم ما يشاء في دار الهجرة وبقايا الصحابة، من دون أن يحول عن العبث بها دين أو مروّة أو عفاف، وما عتم إلا وهو محاصر للبيت ترميه حجارته وتفتك بأهليه ورمايته.
وأيّ رهط أذب عن الاسلام وأحمى لحوزته من الحسين وأهله ؟ وأيّ بلد أظهر في اتباع الاسلام من الحرمين يوم ذاك ؟ وهل أبقى ابن ميسون شيئاً من مقدوره في مبارزة الاسلام لم يصنعه، ومحاربة النبي صلّى اللّه عليه وآله وعترته وصحابته لم يفعله ؟! ولو أردنا استقصاء أعمال أُميّة التي حاربت بها الشريعة وصاحبها الأمين لكثر عليك العدّ، وخرجنا عن القصد، أجل لا ضير لو أوردنا نتفاً أشار اليها المقريزي صاحب الخطط في رسالته «النزاع والتخاصم» والجاحظ في رسالته التي ضربها مثلاً للمفاخرة بين بني أُميّة وبني هاشم، فكان مما أورداه:
إنّ بني أُميّة كانوا يختمون أعناق الصحابة، وينقشون أكفّ المسلمين علامة استعبادهم، وجعلوا الرسول دون الخليفة، ووطأوا المسلمات في دار الاسلام بالسباء، وأخّروا الصلاة تشاغلاً بالخطبة، وكانوا يأكلون ويشربون على منبر النبي صلّى اللّه عليه وآله ويبيعون الرجل في الدين يلزمه(16).
وهذا بعض ما ذكراه من المنكر منهم ومخالفتهم للشريعة، وهل يا ترى خفي عليهم الدين وحدوده، وأنظمته وقيوده، وكفى من تلك الحرب الشعواء التي أقاموها لمنازلة الشريعة الأحمديّة زيادة على ما سبق أنهم اعتبروا الرسالة ملكاً تلعب به هاشم، وجعلوا الكتاب غرضاً للنبال، وجاهدوا أن يحوّلوا الحجّ إلى بيت المقدس ثمّ إلى المسجد الذي بنوه بدمشق، ورميهم من على المجانق البيت الحرام.
ولا تسل عمّا لقيته العترة الطاهرة الأحمديّة منهم، فمن صليب الكناسة وصليب الجوزجان زيد وابنه يحيى إلى قتيل بالسمّ كالحسن والسجّاد والباقر عليهم السلام وأبي هاشم بن الحنفيّة وإبراهيم بن محمّد أخ السفّاح، ونظائرهم. هذا سوى المشرّدين في الآفاق، والمغيّبين في قعر السجون.
وكان خيرة القوم في سيرته عمر بن عبد العزيز، فانّه عرف ما عليه الناس من بغضهم لأهله، فحاول أنّ يغيِّر الرأي فيهم، والقول عنهم(17).
ولا غرابة لو رضي الناس بحكومة هؤلاء القوم، لأن الناس إلى أمثالهم أميل وبأشباههم أرغب.
إنَّ الدين يتطلّب من الناس التقوى سرّاً وإعلاناً، والسيرة العادلة في القريب والبعيد، كما يتطلّب الانتهاء عن الفحشاء ما ظهر منها وما بطن، والكفّ عن الاعتداء في الرضى والغضب، وما أبعد الناس عمّا يتطلّبه منهم الدين، وأين مَن تقوده نفسه - والنفس أمّارة بالسوء - إلى اتباع الشريعة وإن ضيّقت عليه سبل الشهوات وحرّمت عليه الظلم والاعتداء.
ولو أراد الناس الهدى لما خفي عليهم الرعاة أرباب العدل والحقّ والايمان والصدق، ولما ارتضى منهم أُولئك الرعاة غير هذه الخلال الكريمة، وإنَّ الناس لتبتعد عن هذه الفضائل العلويّة ابتعاد الوحش من الملائك، والحصباء من نجوم السماء.
ولو سبرت أحوال الناس لأَيقنت بصدق تلك الكلمة النبويّة الخالدة: «كيفما تكونون يولّى عليكم»(18)، وهل يرتضي ذو العلم أن يحكمه الجاهل، والعادل أن يقوده الفاسق.
ولو لم يجد رعاة الجهل والجور والفجور أعضاداً من أمثالهم وسكوتاً عن أعمالهم، لم تطمع نفوسهم بالانقياد إلى الهوى، والاسترسال مع الشهوات، ولم تطمح إلى الغضّ من كرامة الرسول صلّى اللّه عليه وآله ومنابذة رسالته ومحاربة عترته.
إن درس نفسيّات اولئك الأقوام وسبر أعمالهم تجسّم لك الغدر والخيانة والتحزُّب للضلال على الهدى، وللباطل على الحقّ، حتى لتكاد أن تعجب كيف لم يندرس الحق، وتنطمس أعلام الهداية إلى اليوم، مادام أنصار الحقّ في كلّ عصر ومصر قليلين جدّاً «وقليل من عبادي الشكور»(19).
وأين تغيب عن هذه الحقيقة، ونظرة واحدة في عصرنا الحاضر تريك كيف تتمثل المنافسة بين الباطل والحقّ، وتغلّب الأول بأنصاره على الثاني وأعوانه، وليس الغريب ذلك إنّما الغريب أن يتّفق انتصار أرباب الحقّ في بعض الأعصار وينخذل الباطل، ولو انتصر أبو الحسن والحسن على معاوية، والحسين على يزيد لكان بدعاً في الزمن دون العكس في الحال، وما كان انتصار الرسول صلّى اللّه عليه وآله بعد تلك الحروب الدامية إلا إقامة للحجّة، «ليحيى من حيّ عن بيّنة، ويهلك من هلك عن بيّنة»(20) ولو غلب الكفر على الاسلام لم يتمّ نوره، ولا قامت حجّته.
إنَّ الرسول الأمين جاء للناس بكل فضيلة وسعادة وخُلق كريم وقد وقفوا دون أداء رسالته، وتنفيذ دعوته، وما رسالته إلا لخيرهم، وما دعوته إلا لسعادتهم، ولأيّ شيء أبت نفوسهم عن الاستسلام لتلك الفضائل غير مخالفتهم لها في السيرة والسريرة دأب البشر في كلّ عصر، وهل خضع الناس لقبول تلك السعادة إلا بعد أن علا رؤوسهم بالسيف، وضرب خراطيمهم بالسوط، وما أسرع ما انقلبوا على الاعقاب بعد انتقاله إلى حظيرة القدس ناكصين عن سنن الطريق، حين وجدوا مناصاً للعدول «وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئاً»(21).
بيد أن الأُمويّة مخّضت عن أفذاذ ثبت الايمان في قلوبهم، ونهضوا مع الحقّ حرباً للباطل، ولا عجب فإنه تعالى: «يخرج الحيّ من الميت»(22) ولا شكَّ أن اللعن لا يعمّهم، والكتاب الكريم يقول: «لا يضرّكم من ضلَّ إذا اهتديتم»(23) «ولا تزر وازرة وزر اُخرى»(24) «من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها»(25) «ما على المحسنين من سبيل»(26).
_________________________
(1) بني إسرائيل: 60.
(2) مجمع البيان: 3/424، وشرح النهج: 3/488 و2/466 و467، وقال الشوكاني في تفسيره أنهم آل أبي العاص خاصّة وعليه روايات.
(3) إبراهيم: 28.
(4) الحج: 78.
(5) تفسير الطبري: 17/142.
(6) لا يحتاج الخبير في هذا إِلى المصادر لكثرتها، وإن أحببت الوقوف على شيء من ذلك فانظر شرح ابن أبي الحديد في التعليقة الماضية من الجزء والصحيفة و: 1/361 و: 2/106 و410 و4/148 والاستيعاب لابن عبد البر في مروان، والحاكم عن أبي هريرة في آل أبي العاص ومروان وأبيه وبنيه الى غير ذلك.
(7) الرفادة بالكسر: إِطعام الحاج، والسقاية بالكسر أيضاً: سقيهم.
(8) قريش: 2.
(9) شرح النهج: 3/457.
(10) سورة الفيل.
(11) الأغاني: 6/ 90 - 96.
(12) جاء في معاوية عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله الشيء الكثير، وإِن شئت أن تلمس بعضه فدونك الأحاديث القائلة «يا عمّار تقتلك الفئة الباغية بصفّين» وعدَّه السيوطي في الأخبار المتواترة، ودونك الأَحاديث القائلة «إن عليّاً يحارب القاسطين وهم معاوية وجنده» ودونك شرح النَّهج: 1/347 و: 3/443 و: 1/254 و: 2/363 و: 2/102 و: 1/372، 361، 355، 373، 113، وانظر فيها رأي الناس في معاوية و: 1/463 واقرأ فيها ما يقوله الناس عن معاوية وبني اُميّة و: 3/15 و4/192 ودونك الاستيعاب في معاوية.
(13) مسند أحمد بن حنبل: 2/442 واسد الغابة: 3/11.
(14) معاني الأخبار: 204 وسنن ابن ماجة: 8ح 3950.
(15) شرح النَّهج: 1/463، ومروج الذهب: 1/341 فيما يرويانه عن المغيرة بن شعبة في تكفيره لمعاوية وهو المغيرة فكيف إذن معاوية، ويل لمن كفره النمرود.
(16) شرح النهج: 3/469، 470.
(17) ولقد استوفى القاضي أبو حنيفة النعمان المصري في كتابه (المناقب والمثالب) ما للهاشميّين من المناقب وللاُمويّين من المثالب، ولو قرأت هذا الكتاب لعرفت ما كان عليه بنو اُميّة من شنيع الأعمال ولو أردنا الاستقصاء لذكرنا أضعاف ما أوردناه وبما ذكرناه يحصل المطلوب، والكتاب المذكور ما زال مخطوطاً لم يطبع ورأيت منه نسخة في بعض مكتبات النجف.
(18) مسند أحمد بن حنبل: 4/437.
(19) سبأ: 13.
(20) الأنفال: 42.
(21) آل عمران: 144.
(22) الأنعام: 95.
(23) المائدة: 105.
(24) الأنعام: 164.
(25) فصّلت: 46.
(26) التوبة: 91.
  
   
   
  
المصدر: المكتبة الجعفرية http://almaktaba.alja3faria.net

تماس با هنر اسلامی

نشانی

نشانی دفتر مرکزی
ایران ؛ قم؛ بلوار جمهوری اسلامی، نبش کوچه ۶ ، مجمع جهانی اهل بیت علیهم السلام، طبقه دوم، خبرگزاری ابنا
تلفن دفتر مرکزی : +98 25 32131323
فاکس دفتر مرکزی : +98 25 32131258

شبکه‌های اجتماعی

تماس

تمامی حقوق متعلق به موسسه فرهنگی ابنا الرسول (ص) تهران می‌باشد