وبعد عشرة أيام من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بادر الخليفة إلى غصب فدك(1): وإخراج عمال الزهراء (عليها السلام) منها، بعد أن كانوا فيها عدة سنين، فبادرت (عليها السلام) إلى المطالبة بها، وأقامت
الحجج، وأتت بالشهود، فلم يسمع أبو بكر منها، ورد شهادتهم، وأبطل دعواها.
كما أن علياً (عليه السلام) احتج عليهم حتى ظهر الحق، وأسفر الصبح لذي عينين، وقد ندم الناس وأنكروا ما يجري، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: صدق ـ والله ـ علي بن أبي طالب، ورجع علي (عليه السلام) إلى منزله.
ورجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه، ثم قال له: أما رأيت مجلس علي منا اليوم؟! والله، لئن قعد مقعداً آخر مثله ليفسدن علينا أمرنا، فما الرأي؟!
قال عمر: الرأي أن تأمر بقتله.
قال: فمن يقتله؟!
قال: خالد بن الوليد.
فبعثا إلى خالد، وطلبا منه أن يقتل علياً (عليه السلام)(2).
وستأتي هذه القضية بتفاصيلها إن شاء الله تعالى..
رسالة علي (عليه السلام) إلى أبي بكر: ثم أرسل علي (عليه السلام) رسالة إلى أبي بكر، فلما قرأها رعب منها رعباً شديداً.. ثم حاول أن يستنصر بالمسلمين، ويلقي عليهم بالمسؤولية عن غصب فدك، وإرث اطمة (عليها السلام) عليهم، وذكر أنه استقال من موقعه هرباً من نزاع علي، فلم يُقَل.
وقال: ما لي ولابن أبي طالب، هل نازعه أحد ففلج عليه.
فجعل عمر يلوم أبا بكر ويقرعه.. فبين له أبو بكر أن علياً (عليه السلام) قادر على قتلهما لو شاء.. وطلب منه أن لا يغتر بقول خالد: إنه يقتل علياً، فإنه لا يجسر على ذلك، ولو رامه لكان أول مقتول بيد علي (عليه السلام)(3). ومن شاء تفصيل ما جرى فليرجع إلى المصادر.
فاطمة (عليها السلام) تطالب، وعلي (عليه السلام) يشهد: وقد ذكروا: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى فدكاً لابنته فاطمة (عليها السلام)، فلما مات (صلى الله عليه وآله) استولى عليها أبو بكر، فاحتجت عليه فاطمة، وقالت له: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحلنيها.
قال أبو بكر: أريد لذلك شهوداً(4).
قال الطريحي: (كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه فتحها هو وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن معهما أحد)(5).
وفي نص آخر: (فبعثت إلى علي، والحسن، والحسين، وأم أيمن، وأسماء بنت عميس ـ وكانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة ـ فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادَّعت.
فقال (عمر): أما علي فزوجها.
وأما الحسن والحسين فابناها.
وأما أم أيمن فمولاتها.
وأما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب، فهي تشهد لبني هاشم، وقد كانت تخدم فاطمة، وكل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم.
فقال علي (عليه السلام): أما فاطمة فبضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن آذاها فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن كذبها فقد كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأما الحسن والحسين، فابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيدا شباب أهل الجنة. من كذبهما فقد كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ كان أهل الجنة صادقين.
وأما أنا فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت مني وأنا منك، وأنت أخي في الدنيا والآخرة، والراد عليك هو الراد علي، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني.
وأما أم أيمن فقد شهد لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجنة، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها.
قال عمر: أنتم كما وصفتم (به) أنفسكم. ولكن شهادة الجار إلى نفسه
لا تقبل.
فقال علي (عليه السلام): إذا كنا نحن كما تعرفون (ولا تنكرون)، وشهادتنا لأنفسنا لا تقبل، وشهادة رسول الله لا تقبل، فإنا لله وإنا إليه راجعون. إذا ادَّعينا لأنفسنا تسألنا البينة؟! فما من معين يعين.
وقد وثبتم على سلطان الله وسلطان رسوله، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بينة ولا حجة، ?وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ?(6))(7).
ونقول: إنه لم يكن يحق لأبي بكر طلب الشهود من فاطمة (عليها السلام)، لأنها كما سنرى مطهرة بنص الكتاب الكريم من كل رجس، فلا يمكن احتمال خلاف ذلك في حقها..
ولأن فدكاً كانت في يدها، وكان أبو بكر هو المدَّعي الذي يطالَب بالبينة، بل لا بد من رد شهادته، لأنها تعارض شهادة القرآن، كما قلناه وسنقوله..
_________________________________
(1) - شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص263 واللمعة البيضاء ص751.
(2) - راجع: الإحتجاج ج1 ص234 ـ 240 و (ط دار النعمان) ج1 ص119 ـ 130 وتفسير القمي ج2 ص155 ـ 159 وبحار الأنوار ج29 ص124 و 125 و 127 ـ 132 وراجع ص157 ومصباح الأنوار ص246 و 247 ومدينة المعاجز ج3
ص151 واللمعة البيضاء ص795 ـ 797 والأنوار العلوية ص311 ـ 313 وغاية المرام ج5 ص348 ـ 350 وبيت الأحزان ص135 ـ 136.
(3) - راجع: الإحتجاج ج1 ص243 ـ 252 و (ط دار النعمان) ج1 ص119 ـ 130 وبحار الأنوار ج29 ص140 ـ 145 وحلية الأبرار ج2 ص429 ـ 430.
(4) - معجم البلدان ج4 ص288 و (ط دار إحياء التراث) ص238 وراجع: مجمع البحرين ج5 ص283 ولسان العرب ج10 ص203 والمسترشد ص501 والإمام علي (عليه السلام) لأحمد الرحماني الهمداني ص737 وجوامع
الجامع ج2 ص105.
(5) - مجمع البحرين ج5 ص283 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص152 والأصفى ج1 ص177 واللمعة البيضاء ص293.
(6) - الآية 227 من سورة الشعراء.
(7) - الكشكول فيما جرى على آل الرسول ص203 ـ 205 وبحار الأنوار ج29 ص197 ـ 199 واللمعة البيضاء ص315.
مركر الابحاث العقائدية