وربما يعتذرون عن ذلك أيضاً: بأن المبادرة إلى الصلاة من أبي بكر قد جاءت عن حسن نية، وسلامة طوية، وبقصد نيل ثواب الجماعة، ولم يقصد بها الإساءة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
ولعل عدم الإستئذان في ذلك منه (صلى الله عليه وآله) هو الذي أغضبه (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن أبو بكر يظن أن الأمور تصل إلى هذا الحد، ولا شك في أنه قد استغفر الله تعالى من هذا الخطأ غير المقصود.
فجاءت القضية التالية: لتؤكد عدم صحة أمثال هذه الإعتذارات أيضاً، فقد طلب النبي (صلى الله عليه وآله) كتفاً ودواة، لكي يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده، فقال عمر: إن الرجل ليهجر أو غلبه الوجع(1)..
فجاءت هذه الكلمة لتكون أوضح في الدلالة، وأصرح في التعبير عن جرأة هؤلاء على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعن مدى تصميمهم على تحقيق طموحاتهم، والوصول إلى أطماعهم، وعن المدى الذي يمكن أن تصل إليه تصرفاتهم في هذا الإتجاه.. وعن الحرمات التي يمكن أن تنتهك من أجل ذلك..
حيث إن النبي (صلى الله عليه وآله) حين طلب في مرض موته: أن يأتوه بكتف ودواة، إنما أراد أن يحرجهم في اللحظة الأخيرة، ليظهروا للناس على حقيقتهم..
وبعد ذلك، فإن على الناس أنفسهم أن يعدُّوا للأمر عدته، وأن لا تغرهم الإدعاءات الباطلة، والإنتفاخات الفارغة.
وبذلك يكون (صلى الله عليه وآله) قد فتح باباً يستطيع الداخل فيه أن يصل إلى كنه الأمور، ولو بعد مرور الأحقاب والدهور، التي تنأى بالحدث عن المشاهدة، وتمعن في إبهامه.
_________________________________
(1) - الإيضاح ص359 وتذكرة الخواص ص62 وسر العالمين ص21 وصحيح البخاري ج3 ص60 وج4 ص5 و 173 وج1 ص21 و 22 وج2 ص115 والمصنف للصنعاني ج6 ص57 وج10 ص361 وراجع: ج5 ص438 والإرشاد للمفيد ص107 وبحار الأنوار ج22 ص498 وراجع: الغيبة للنعماني ص81 و 82 وعمدة القاري ج14 ص298 وفتح الباري ج8 ص101 و 102 والبداية والنهاية ج5 ص227 والبدء والتاريخ ج5 ص59 والملل والنحل ج1 ص22 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص244 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص192 و 193 والكامل في التاريخ ج2 ص320 وأنساب الأشراف ج1 ص562 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص51 وتاريـخ الخميس ج2 ص164 = = وصحيح مسلم ج5 ص75 ومسند أحمد ج1 ص324 و 325 و 355 والسيرة الحلبية ج3 ص344 ونهج الحق ص273 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص62 وحق اليقين ج1 ص181 و 182 ودلائل الصدق ج3 ق1 ص63 ـ 70 والصراط المستقيم ج3 ص3 و 6 والمراجعات ص353 والنص والإجتهاد ص149 و 163.
مركز الابحاث العقائدية