ونذكر هنا ـ على سبيل الاستطراد ـ قصة تشبه قصة مالك، فقد ورد في بعض الروايات عن بريدة الأسلمي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لي ولأخي: قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على علي بإمرة المؤمنين، فقمنا وسلمنا، ثم عدنا إلى مواضعنا.
قال: ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم جميعاً، فقال: اسمعوا وعوا، إني أمرتكم أن تسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وإن رجالاً سألوني (أذالك عن أمر الله وأمر رسوله)؟! ما كان لمحمد أن يأتي أمراً من تلقاء نفسه، بل بوحي ربه، وأمره..
إلى أن تقول الرواية: ومضى بريدة إلى بعض طرق الشام ورجع، وقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبايع الناس أبا بكر.
فأقبل بريدة وقد دخل المسجد، وأبو بكر على المنبر، وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد: يا أبا بكر ويا عمر!
قالا: وما لك يا بريده أجننت؟!
فقال لهما: والله ما جننت، ولكن أين سلامكما بالأمس على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين؟!
فقال له أبو بكر: يا بريدة، الأمر يحدث بعده الأمر، وإنك غبت وشهدنا، والشاهد يرى ما لا يرى الغايب.
فقال لهما: رأيتما ما لم يره الله ورسوله، ووفى لك صاحبك بقوله: (لو فقدنا محمداً لكان قوله هذا تحت أقدامنا). ألا إن المدينة حرام علي أن أسكنها أبداً حتى أموت..(1).
أخرجوا الأعرابي:
وبالعودة إلى حديثنا عن مالك نقول:
لم يجد أبو بكر ما يجيب به مالك بن نويرة إلا الشتم، والأمر بالإبعاد.. حتى لا يفيض في بياناته التي ستؤدي إلى المزيد من وضوح الأمور في أذهان الناس، فكان أن اتخذ قرار القمع، لكي يرهب به ضعفاء النفوس.. وحتى لا يتسع الخرق على راتقه الذي لا يميز الإبرة من خيطها.
فأمر رجاله بإخراج هذا الإعرابي.. والمراد به مالك بن نويرة.
أبو بكر يأمر بقتل مالك:
وقد أوضحت هذه الرواية أيضاً: أن أبا بكر هو الذي أمر خالداً بقتل مالك، لا لأجل ارتداده، وإنما لأجل موقفه هذا من خلافته.
ونحن لا نظن أن عمر كان لا يعرف ذلك بكل تفاصيله، فكيف نفسر موقفه المستنكر لقتل مالك بن نويرة على يد خالد بن الوليد؟!.
ويمكن أن يجاب: بأن القضية كانت متفقاً عليها بين أبي بكر وعمر، لأجل امتصاص نقمة المسلمين، وتبريد الأجواء، بإلقاء الشبهات، والتأكيد
على تحميل خالد مسؤولية ما حدث، على أساس أنه اجتهد فأخطأ، فهو معذور، بل مأجور، إذ يجب أن لا تحوم الشبهات حول غيره من المدبرين الحقيقيين، من قريب ولا من بعيد.
______________________________
(1) - بحار الأنوار ج28 ص92 و 93 والدرجات الرفيعة ص292 و 293 و 402.
مركز الابحاث العقائدية