ما رواه بعض السلف عن حذيفة رضى الله عنه انه قال حدثني بريدة الاسلمي انه لما قمنا من مكاننا في غدير خم نريد مضاربنا سمعت رجلا يقول لصاحبه ما رأيت اليوم ما فعل بابن عمه ؟ لو قدر ان يصيره نبيا بعده لفعل فقال له صاحبه اسكت لو فقدنا محمدا صلى الله عليه وآله لم نر من هذا شيئا ثم لما رحل النبي صلى الله عليه وآله عن غدير خم ورأى ان أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يتناجون في انكار تلك الخطبة في شأن على عليه السلام أمر مناديا ينادى الا لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون وارتحل عليه السلام فلما نزل منزلا آخر اتى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة فوجدهم يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال اليس رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يجتمع ثلاثة نفر على سر ؟ والله لئن لم تخبروني بما انتم عليه لاتين رسول صلى الله عليه وآله ولاعرفنه ذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه ان نحن اخبرناك بما نحن فيه فإن احببت ان تدخل معنا دخلت وان ابيت كتمت علينا فقال سالم ذلك لكم على فاعطاهم عهد الله وميثاقه انه ان لم يدخل معهم يكتمه عليهم قالوا اجتمعنا على ان نتعاقد اليوم على ان نمنع محمدا مما افترضه علينا من ولاية على بن أبي طالب عليه السلام فقال لهم سالم انا والله به اولى من يخالفكم على ذلك الامر والله ما طلعت شمس على أهل بيت ابغض الى من بنى هاشم ولا في بني هاشم ابغض الى من علي عليه السلام فاصنعوا ما بدا لكم فانى واحد منكم فتعاقدوا في وقتهم ذلك ثم تفرقوا قال حذيفة ثم انهم اتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم ما كنتم يومكم هذا تتناجون فيه قالوا يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم مغضبا ثم قال وما الله بغافل عما تعملون ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل حتى دخل المدينة واجتمع القوم بها وكتبوا صحيفة على حسب ما تعاقدوا عليه من التنكب عما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في استخلاف علي عليه السلام وان الامر لابي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم بعده لعمر بن الخطاب ثم بعده للحى من أحد الرجلين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة واشهدوا على ذلك اربعة وثلاثين رجلا اربعة عشر رجلا اصحاب العقبة وعشرين رجلا غيرهم وهم سعيد بن العاص الاموى واسامة بن زيد والوليد بن أبي ربيعة و سعيد بن زيد بن نفيل وأبو سفيان بن حرب وسفيان بن امية وأبو حذيفة بن عتبة و معاذ بن جبل وبشير بن أبي سعيد الانصاري وسهل بن عمر وحكيم بن حزام الاسدي وصهيب بن سنان الرومي والعباس بن مرداس السلمى وأبو مطيع بن اسد العبدى وقعد ابن عمر وسالم مولى أبي حذيفة وسعيد بن مالك وخالد بن عرفطة ومروان بن الحكم والاشعث بن قيس قال حذيفة حدثتني اسماء بنت عميس زوجة أبي بكر ان القوم اجتمعوا في دار أبي بكر فتوامروا في ذلك واسماء تسمع جميع كلامهم فامروا سعيد بن العاص ان يكتب على اتفاق منهم بسم الله الرحمن الرحيم من المهاجرين والانصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه اتفقوا جميعا بعد
ان اجتهدوا آرائهم وكتبوا هذه الصحيفة نصرا منهم للاسلام وليقتدى بهم من جاء بعدهم أما بعد فإن الله بمنه وكرمه بعث محمدا رسولا الى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده فادى ما أمر به حتى إذا اكمل الدين وبين الفرائض والسنن وعين الحلال والحرام فقبضه إليه مكر ما من غير ان يستخلف من بعده احدا فجعل الاختيار الى المسلمين ليختاروا لانفسهم من وثقوا برأيه ودينه وان للمسلمين في رسول الله اسوة حسنة في ترك الاستخلاف فانه عليه السلام لم يستخلف على الناس اصلا لئلا يجرى ذلك في اهل ملة واحدة فيكون ارثا لهم دون سائر المسلمين ولئلا يكون دولة بين الاغنياء منهم ولئلا يقول الذي يستخلفه ان هذا الامر باق في عقبه من ولد الى ولد الى يوم القيمة والذي يجب على المسلمين عند مضى كل خليفة ان يجمعوا أهل الصلاح وذوى الرأى منهم ليشاوروا في امورهم فمن رأوه مستحقا للخلافة بدينه وفضله ولوه امورهم وجعلوه القيم عليهم لانه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة فإن ادعى احد ان رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف رجلا بعينه بحيث نصبه للناس باسمه ونسبه كان كاذبا في دعواه واتى بخلاف ما يعرفه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وخالف اجماع المسلمين وان ادعى مدع ان خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة لاهل بيته فقد ابطل واحال وخالف قول رسول الله صلى الله عليه وآله
(نحن معاشر الانبياء لا نورث فما تركناه صدقة) وان ادعى مدع ان الخلافة لا تصلح إلا لرجل واحد من جميع الناس وانها مقصورة فيه وان قال قائل ان الخلافة تتلو النبوة فقد كذب لانه صلى الله عليه وآله قال اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم و ان ادعى مدع انه يستحق بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله فليس ذلك له لأن الله تعالى قال ( ان اكرمكم عند الله اتقيكم ) فمن رضى بما اجتمع عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقد هدى وعمل بالصواب ومن كره ذلك وخالف امرهم فقد عاند جماعة المسلمين فليقاتلوه فإن في ذلك صلاح الامة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال الاجتماع لامتي رحمة والفرقة عذاب ولا تجتمع امتى على ضلال ابدا وان المسلمين يد واحدة على من سواهم وانه لا يخرج من جماعة المسلمين إلا مفارق معاند لهم مظاهر عليهم فقد اباح الله ورسوله دمه واحل قتله وكتب سعيد بن العاص باتفاق من اثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وسلم ثم دفعت الصحيفة الى ابى عبيدة بن الجراح فوجه بها الى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة الى ان ولى عمر بن الخطاب فاخرجها وهي التي تمناها أمير المؤمنين عليه السلام لما توفى عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه وقال ما احب ان القى الله تعالى إلا بصحيفة هذا المسجى قال حذيفة فلما فرغوا من ذلك اتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد فجلسوا معه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله الى أبي عبيدة وقال بخ بخ لك يا با عبيدة من مثلك وقد اصبحت امين قوم من هذه الامة على باطلهم ثم قرأ " فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون " ولقد اصبح نفر من اصحابي ما هم في فعلهم دون مشركي قريش لما كتبوا صحيفتهم وعلقوها في الكعبة ولولا ان الله امرني بالاعراض عنهم لامر هو بالغه لقدمتهم وضربت اعناقهم قال حذيفة فوالله لقد رأيت هؤلاء النفر قد استقبلتهم الرعدة فلم يملك أحد منهم نفسه ولم يخف على كل من حضر مع رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والانصار ان رسول الله صلى الله عليه وآله يذمهم انتهى ومما ينبغى ان ينبه عليه ان ابا عبيدة هو الذي جادل وخاصم مع علي عليه السلام في أمر الخلافة عند احضارهم له عندهم بعد بيعة السقيفة لياخذوا منه البيعة ايضا كما هو المذكور المشهور في التواريخ المعتبرة من كتب أهل السنة والجماعة ولهذا قال شاعر اهل البيت عليهم السلام مشيرا الى الخائن أبي عبيدة الذي سماه القوم امينا شعر غلط الامين فجازها عن حيدر * والله ما كان الامين امينا وقد ذهب ذلك على السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف فزعم ان هذا البيت من شعر الغلاة وان المراد من الامين جبرئيل عليه السلام وان ضمير جازها راجع الى النبوة فافهم والذي يزيد ايضا حالما بيناه وتثبيتا لما نقلناه انه قد ترشح عن بعضهم عند مراجعة النبي صلى الله عليه وآله عن الغدير انكار كون ذلك العهد وحيا من الله تعالى كما صرح به الثعلبي من رؤساء مفسريهم حيث قال لما كان رسول الله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فاخذ بيد علي عليه السلام فقال من كنت مولاه فعلى
مولاه فشاع وطار في البلاد وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري القرشي فاتى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى اتى الابطح فنزل عن ناقته فاناخها وعقلها واتى النبي صلى الله عليه وآله وهو في ملاء من اصحابه فقال يا محمد امرتنا عن الله ان نشهد ان لا اله إلا الله وانك رسول الله فقبلناه منك وامرتنا ان نصلى خمس صلوات فقبلناه منك وامرتنا ان نصوم شهرا فقبلناه منك وامرتنا ان نزكي اموالنا فقبلناه منك وامرتنا ان نحج البيت فقبلناه منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعى ابن عمك ففضلته علينا وقلت من كنت مولاه فعلى مولاه هذا شئ منك ام من الله فقال النبي صلى الله عليه وآله والذي لا اله إلا هو انه من الله فولى الحارث بن نعمان الفهري يريد راحلته وهو يقول اللهم ان كان ما يقول محمد حقا فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وانزل الله تعالى " سال سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذى المعارج " وقد روى هذه الرواية النقاش من علماء الجمهور في تفسيره ايضا وذكرها بعض الشافعية في كتابه الموسوم بالفصول المهمة في مناقب الائمة فتأمل وانصف واستقم كما امرت ولا تتبع الهوى فانه سبيل من غوى و أما ما ذكره من انه عليه السلام كان اقوى شجاعة فنقول نعم لكن بمعنى انه اشجع من آحاد شجعان الدنيا لا عن جميع الناس مجتمعا ومزدحما عليه وإلا لزم انثلام عصمة النبي صلى الله عليه وآله في عدم قتل الكفار في اول الامر ثم في عام الحديبية حيث صالح معهم و اعطاهم الذمة كما زعمه عمر مع حضور من معه من على عليه السلام وخلق كثير من الصحابة حتى أبى بكر الاشجع كما يتناقض هذا الشيخ المكابر بدعواه له فيما سيأتي الجواب بل كان توقف على ( ع ) عن الحرب مع هؤلاء المتظاهرين بالاسلام اظهر في الصواب كما لا يخفى على اولى الالباب
قال : ولا يقدح في حكاية الاجماع تأخر علي والزبير والعباس و طلحة مدة لامور منها انهم رأوا ان الامر تم بمن تيسر حضوره حينئذ من أهل الحل والعقد ومنها انهم لما جاؤا وبايعوا اعتذروا كما مر عن الاولين من طرق بانهم اخزوا عن المشورة مع ان لهم فيها حقا لا للقدح في خلافة الصديق هذا مع الاحتياج في هذا الامر لخطره الى المشورة التامة ولهذا مر عن عمر بسند صحيح ان تلك البيعة كانت فلتة لكن وقى الله شرها انتهى .
اقول : اولا ان عدم القدح مقدوح كيف والاجماع اتفاق جميع أهل الحل والعقد فإذا تخلف البعض لا ينعقد الاجماع .
وثانيا ان ما ذكره في وجه عدم القدح اولا من انهم رأوا ان الامر تم بمن تيسر حضوره من اهل الحل والعقد غير متجه بل هو رأى فاسد لا دليل عليه من العقل والنقل.
وثالثا ان ما ذكره من انهم لما جاؤا وبايعوا اعتذروا الخ مردود بما مر من ان بيعتهم في ثانى الحال لم يكن عن طيب النفس والرضا والتسليم و على تقدير التسليم يلزم ان يكون خلافته قبل ذلك واقعة على غير سبيل وكفى به منقصة وأما ما ذكره كذبا وافتراء من اعتذارهم بانهم اخروا عن المشورة مع ان لهم فيها حقا مدخول بان المشورة لم تقع في بيعة أبي بكر اصلا كما يذكره هذا الشيخ الجاهل متصلا بذلك من قوله وعن عمر بسند صحيح ان تلك البيعة كانت فلتة فكيف يتوقعون هم ادخالهم في المشورة دون سائر المهاجرين والانصار حتى يعتذروا للتأخير بذلك العذر الواهي بل لا معنى لتأخرهم عن المشورة اصلا ولا لكونهم فيها حقا قطع .
المصدر: الكتاب الصوارم المهرقة في الجواب الصواعق المحرقة.