قال : ومن الايات الدالة على خلافته ايضا ( قل للمخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم اولى باس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله اجرا حسنا وان تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا اليما ) فإن قلت يمكن ان يراد بالداعى في الاية النبي صلى الله عليه وآله أو على عليه السلام قلت لا يمكن ذلك مع قوله تعالى ( قل لن تتبعونا ) ومن ثم لم يدعو الى محاربة في حياته صلى الله عليه وآله اجماعا كما مر وأما علي عليه السلام فلم يتفق له في خلافته قتال لطلب الاسلام بل لطلب الامامة ورعاية حقوقها وأما من بعده فهم عندنا ظلمة وعندهم كفار فتعين ان ذلك الداعي الذي يجب باتباعه الاجر الحسن وبعصيانه العذاب أحد الخلفاء الثلاثة وحينئذ فيلزم عليه خلافة أبي بكر على كل تقدير لأن حقية خلافة الاخرين فرع عن حقية خلافته إذ هما فرعاها الناشئان عنها المترتبان عليها انتهى
اقول : قد علم مما قدمنا في تقرير الاية السابقة ان هذه الاية ايضا إنما تنطبق على علي عليه السلام في قتاله الطوائف الثلاثة ولو سلم ان مفاد هذه الاية ما فهمه هذا الشيخ الجامد فغاية ما يلزم منه ترتب الثواب على فعل المأمور به في الاية والعقاب على تركه من حيث انه كان اطاعة أو مخالفة لله تعالى ولا يلزم منه ترتبها على مجرد اطاعة الداعي المذكور في الاية أو على مجرد مخالفته من حيث انه اطاعته أو مخالفته حتى يلزم منه فضيلة الداعي وكون اطاعته مثلا من حيث انه اطاعته مستلزما للثواب والعقاب وكيف يلزم ما ذكر وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله ( ان الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) وأما ما ذكره من انه لم يتفق لعلي عليه السلام في خلافته قتال لطلب الاسلام بل لطلب الامامة ورعاية حقوقها فبطلانه واضح لأن طلب الامامة طلب الاسلام لأن الامامة عندنا من اصول دين الاسلام كما يدل عليه وجوه من الادلة منها الحديث المشهور المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وآله ( من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميته جاهلية ) لظهور ان الجاهل لشئ من الفروع لا يكون ميتته كذلك قال الشريف المرتضى رضى الله عنه : قد تعلق أبو على الجبائى من المعتزلة على عدم كون المراد من الاية من حاربهم أمير المؤمنين عليه السلام من اهل الجمل وأهل صفين وأهل النهر بقوله تعالى فيها ( أو يسلمون ) وانهم كانوا مسلمين
واول ما فيه انهم غير مسلمين عنده وعند اصحابه لأن الكبائر تخرج عن الاسلام عندهم كما تخرج عن الايمان إذ كان الايمان هو الاسلام على مذهبهم ثم مذهبنا في محاربي أمير المؤمنين عليه السلام معروف لانهم عندنا كانوا كفارا لوجوه منها ان من حاربه كان مستحلا لقتله مظهرا انه في ارتكابه على حق ونحن نعلم ان من اظهر استحلال شرب جرعة خمر فهو كافر بالاجماع واستحلال دم المؤمن فضلا عن افاضلهم و اكابرهم اعظم من شرب الخمر واستحلاله فيجب ان يكونوا من هذا الوجه كفارا ومنها انه صلى الله عليه وآله قال له عليه السلام بلا خلاف بين أهل النقل ( حربك يا علي حربى وسلمك سلمى ) ونحن نعلم انه لم يرد الا التشبيه بينهما في الاحكام ومن احكام محاربي النبي صلى الله عليه وآله الكفر بلا خلاف ومنها انه صلى الله عليه وآله قال له بلا خلاف ايضا ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) وقد ثبت عندنا ان العداوة من الله لا تكون إلا للكفار الذين يعادونه دون فساق الملة انتهى
فلا يلزم اسلام هؤلاء قطعا ولا ما زعمه من خلافة أبي بكر وأما تعليله لذلك بان حقية خلافة الاخيرين فرع خلافتهما الى آخره فالخلف فيه ظاهر لانا لا نسلم اصل خلافة أبي بكر فضلا عن كونه اصلا بالنسبة الى خلافة على عليه السلام وهل هذا إلا مصادرة ظاهرة .
قال : ومن تلك الايات ايضا قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بى شيئا ) قال ابن كثير هذه الاية منطبقة على خلافة الصديق انتهى .
اقول : لا انطباق له بما قصده اصلا إذ لم يتحقق الى يومنا هذا تبديل الخوف بالامن في اكثر الاقطار ولا انتفاء الشرك بالكلية كما يدل عليه قوله تعالى ( لا يشركون بى شيئا ) وانما تنطبق الاية على خلافة المهدى المنتظر عليه السلام لما دل الحديث المتواتر المتفق عليه في شأنه من انه عند ظهوره يملا الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .
قال : ومنها قوله تعالى ( للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون ) وجه الدلالة ان الله سماهم صادقين ومن شهد الله سبحانه بالصدق لا يكذب فلزم ان ما اطبقوا عليه من قولهم لابي بكر يا خليفة رسول الله صادقون فيه فحينئذ كانت الاية ناصة على خلافته انتهى .
اقول : فيه نظر ظاهر لانه قد وصف الله تعالى بالصدق من تكاملت له الشرائط المذكورة فمنها ما هو مشاهد كالهجرة والاخراج من الديار والاموال ومنها ما هو باطن لا يعلمه الا الله تعالى وهو ابتغاء الفضل والرضوان من الله ونصرة الله ورسوله ولا ريب ان الاعتبار في ذلك ليس بما يظهر بل بالبواطن والنيات ولا نسلم ان المهاجرين الذين اطبقوا على خلافة أبي بكر كانوا ممن تكاملت لهم الشرائط حتى يلزم ان يكونوا متصفين بالصدق فيجب على الخصوم ان يثبتوا اجتماع هذه الصفات في كل من هاجر واخرج من دياره وامواله ولا يثبت ذلك إلا بدليل من خارج ووجوده ابعد من وجود العنقاء ونقول بوجه آخر ان اراد ان الاية تدل على صدق المجموع من امة محمد صلى الله عليه وآله كما استدل به صاحب الشرح المسمى بالتحقيق في اصول الحنفية فهب ان يكون كذلك لكن هذا في الحقيقة يرجع الى الاستدلال بالاجماع الذى اثبتوا حجيته بهذه الامة لا بالاية وقد مر ان الاجماع غير ثابت في حق خلافة أبي بكر وان اراد به صدق بعضهم فلا يفيد إلا إذا ثبت ان ذلك البعض قالو لابي بكر خليفة رسول الله ودون اثباته خرط القتاد على ان القول بذلك إنما يجدى لو قصد القائل به الخلافة الحقيقية الالهية أما لو قصد به المعنى اللغوى وهو مجئ واحد خلف آخر فلا يثبت مطلوبهم كما لا يخفى .
قال : ومنها قوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين انعمت عليهم ) قال الفخر الرازي : هذه الاية تدل على امامة أبي بكر لانا ذكرنا ان تقدير الاية اهدنا صراط الذين انعمت عليهم والله تعالى قد بين في آية اخرى ان الذين انعم عليهم من هم بقوله تعالى ( اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) ولا شك ان راس الصديقين ورئيسهم أبو بكر فكان معنى الاية ان الله تعالى أمر ان نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر وسائر الصديقين ولو كان أبو بكر ظالما لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الاية على امامة أبي بكر انتهى .
اقول : تسمية أبي بكر بالصديق إنما كان من عند اوليائه الكذابين الذين صدقوه لاغراض لا تخفى على اولى النهى وقصدوا بهذه التسمية ترويج امره لا من عند الله تعالى وعند النبي صلى الله عليه وآله فكونه داخلا في الاية غير مسلم ولو ثبت ما زعمه من كون أبي بكر رأس الصديقين ورئيسهم لكفى ذلك في اثبات خلافته ولا حاجة معه الى انضمام الاية إليه كما لا يخفى .
قال : وأما النصوص الواردة عنه المصرحة بخلافته والمشيرة إليها فكثيرة جدا .
اقول - ان كان مرجع الضمير في عنه هو أبا بكر كما هو الظاهر فتوجه التهمة والمصادرة إليه ظاهر ، وان كان المرجع هو النبي صلى الله عليه وآله فجميع ما روى في شأنه عنه صلى الله عليه وآله موضوعات عندنا لا تنهض ايضا حجة علينا خصوصا وقد ساعدنا في ذلك امام محدثي أهل السنة وافضل متأخريهم الشيخ مجد الدين الفيروز آبادى صاحب القاموس في كتابه المشهور الموسوم بسفر السعادة حيث قال : ان ما ورد في فضائل أبي بكر فهى من المفتريات التى يشهد بديهة العقل بكذبها انتهى فتدبر .
قال : الاول اخرج الشيخان عن جبير بن مطعم قال : اتت أمراة الى النبي صلى الله عليه وآله فأمرها ان ترجع إليه فقالت أرأيت ان جئت ولم اجدك كأنها تقول الموت قال ( ان لم تجديني فأتى أبا بكر ) واخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال جائت امرأة الى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئا فقال لها تعودين فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان عدت فلم اجدك تعرض بالموت فقال ان جئت فلم تجديني فأتى أبا بكر . فانه الخليفة من بعدى .
اقول : لا نسلم صحة الحديث كسائر ما رووه في مدحه ولو سلم جاز حمل الخليفة على المعنى اللغوى كما مر إذ لم يتبين في الحديث ان أمر النبي صلى الله عليه وآله برجوع السائل إليه اولا والى أبي بكر ثانيا كان في أمر ديني يتعلق بالخليفة الشرعية فجاز ان يكون في أمر دنيوى لا اختصاص له بالخلفاء الحقيقية .
المصدر: الكتاب الصوارم المهرقة في الجواب الصواعق المحرقة