كانت سيرة المعتز مع الامام العسكري عليه السلام كسيرة اسلافه من ملوك بني العباس مع اهل البيت عليهم السلام، ومما يلحظ علي تلك السيرة ان المعتز قد وضع الامام العسكري عليه السلام تحت الرقابة الشديدة ، ولم يعد بامكانه الاتصال باصحابه الا في ظروف خاصة ، و تعرض الامام عليه
السلام للاعتقال في زمانه وضيق عليه في السجن ، وكان عليه السلام لايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فيصوم النهار ويقوم الليل.
واودع عليه السلام في سجن صالح بن وصيف (1) ، وكان العباسيون يوصونه بالتضييق عليه ، ويدسون العيون في داخل السجن مع اصحابه.
عن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي ، قال : « دخل العباسيون علي صالح بن وصيف عند ما حبس ابومحمد عليه السلام ، فقالوا له : ضيق عليه ولاتوسع ، فقال لهم صالح : ما اصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه ، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام الي امر عظيم ، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شانكما في امر هذا الرجل؟فقالا له : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لانملكه من انفسنا ، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين » (2).
وعن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : « كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الاحمر انا والحسن بن محمد العقيقي ، ومحمد بن ابراهيم.
العمري وفلان وفلان ، اذ ورد علينا ابو محمد الحسن عليه السلام واخوه جعفر ، فخففنا له ، وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول انه علوي ، قال : فالتفت ابومحمد عليه السلام وقال : لولا ان فيكم من ليس منكم لاعلمتكم متي يفرج عنكم ، و اوما الي الجمحي ان يخرج فخرج.
فقال ابومحمد عليه السلام : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، فان في ثيابه قصة قد كتبها الي السلطان يخبره بما تقولون فيه ، فقام بعضهم ففتش ثيابه ، فوجد فيها القصة ، يذكرنا فيها بكل عظيمة ، ويعلمه انا نريد ان ننقب الحبس ونهرب... » (3).
وحاول المعتز الفتك باالامام عليه السلام علي يد سعيد بن صالح الحاجب الذي قتل المستعين بعد ان حمله الي سامراء فتناهت انباء تلك المحاولة الي اسماع الشيعة ، فكتب بعضهم الي الامام عليه السلام يتساءل عن ذلك ، فطمانه باالمصير الذي ينتظر المعتز قبل ان ينفذ عزمه.
عن محمد بن بلبل قال : « تقدم المعتز الي سعيد الحاجب ان اخرج ابامحمد الي الكوفة ، ثم اضرب عنقه في الطريق ، فجاء توقيعه عليه السلام الينا : الذي سمعتموه تكفونه ، فخلع المعتز بعد ثلاث وقتل » (4).
وعن المعلي بن محمد ، قال : اخبرني محمد بن عبدالله ، قال : « لما امر سعيد الحاجب بحمل ابي محمد عليه السلام الي الكوفة ، كتب ابوالهيثم بن سيابة اليه : جعلت فداك ، بلغنا خبر اقلقنا وبلغ منا كل مبلغ؟ فكتب عليه السلام : بعد ثلاث ياتيكم الفرج. فقتل الزبير ـ اي المعتز ـ يوم الثالث » (5).
وكان الامام عليه السلام قد توجه الي الله تعالي باالدعاء عليه ، فقد روي عن محمد ابن علي الصميري انه قال : « دخلت علي ابي احمد عبيدالله بن عبدالله وبين يديه رقعة ابي محمد عليه السلام فيها : اني نازلت الله في هذا الطاغي ـ يعني الزبير ـ وهو اخذه بعد ثلاث. فلما كان في اليوم الثالث فعل به مافعل » (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كان رئيس الامراء الترك في زمان المعتز والمهتدي ، وقتل في خلافة المعتدي سنة256هـ ، راجع الكامل في التاريخ6 : 214.
(2) الكافي1 : 512/23 ـ باب مولد ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام من كتاب الحجة ، الارشاد2 : 334.
(3) الثاقب في المناقب : 577/526 ، الخرائج والجرائح2 : 682/1و2 ، نور الابصار : 183 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 470 ، اعلام الوري2 : 141.
(4) المناقب لابن شهراشوب4 : 464.
(5) الغيبة للطوسي : 208/177 ، الخرائح والجرائح1 : 451/36 ، مهج الدعوات : 274 ، دلائل الامامة : 427/391 ، الثاقب في المناقب : 576/523.
(6) كشف الغمة3 : 295 ، بحارالانوار50 : 297/72.
المصدر: الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ http://www.alkadhum.org/other/mktba/sira/imam-hassan/index.htm