هاجر الرسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الطائف و كان معه علي (عليه السلام) وزيد بن حارثة، في رواية أبي الحسن المدائني، نعم لم يروه محمد بن إسحاق. وغاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن مكة في هذه الهجرة أربعين يوماً. وقال ابن إسحاق: خرج رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - وسلم إلى الطائف يلتمس النصر من ثقيف والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل. وروى عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو، ومسعود بن عمرو، وحبيب بن عمرو. فجلس إليهم رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] - وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه. فقال له أحدهم: أنا أمرط ثياب الكعبة ان كان الله أرسلك! وقال الآخر: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله - كما تقول - لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله من عندهم وقد يئس من خير ثقيف. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، فأخذوا يصيحون به ويسبونه، حتى ألجؤوه إلى حائط(بستان) لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من كان يتبعه من سفهاء ثقيف .
فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس إليه، فلما اطمأن قال: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟. ان لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ - بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة - من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة الا بك " . فلما رآه ابنا ربيعة: عتبة وشيبة، ورأيا ما لقي، تحركت له رحمهما، فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له"عداس" فقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له: يأكل منه. ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - ثم قال له: كُل: فلما وضع رسول الله فيه يده قال: باسم الله ثم أكل، فنظر عداس في وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله: ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك: قال: نصراني من أهل نينوى. فقال رسول الله: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله: ذاك أخي، كان نبياً وأنا نبي. فأكب عداس على رسول الله يقبل رأسه ويديه وقدميه. فلما رجع عداس قال له ابنا ربيعة: ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل وقدميه؟! قال يا سيدي ما في الأرض أحد خير من هذا، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي! قالا له: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فان دينك خير من دينه! . ولما يئس رسول الله من خير ثقيف انصرف راجعاً من الطائف إلى مكة. ثم روى ابن إسحاق اخباراً عن عرضه نفسه على القبائل في موسم العمرة أو الحج ، وكأن هذه الأخبار عن فعله ذلك بعد رجوعه من الطائف، مما أدى إلى بيعة الحجاج من الأنصار له في العقبة: فحدث عن ابن شهاب الزهري قال: ان النبي (صلى الله عليه وآله) أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح: فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه. وأتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال له رسول الله: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. فقال له الرجل: أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك. وروى أنه أتى بطناً من كلب يقال لهم بنو عبد الله، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه. فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم . وروى أنه أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من العرب أقبح رداً عليه منهم وقال اليعقوبي: وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ويكلم شريف كل قوم، ويقول: لا أكره أحدا منكم، إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي! فلم يقبله أحد منهم. وكانوا يقولون: قوم الرجل أعلم به.
موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج 1 - ص 645 - 649َ