قال ابن إسحاق : فلما انصرف عنه القوم ( من بيعة العقبة الأولى ) بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير بن هاشم، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم في الدين. وكان يصلي بهم ولم يقل عن القبلة شيئاً. ولكنه روى عن معبد بن كعب، عن أخيه عبد الله بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك (الخزرجي) قال: ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام (يعني القدس). فلما خرجنا من المدينة في حجاج قومنا. وتوجهنا لسفرنا. وسيدنا وكبيرنا البراء ابن معرور، قال لنا: يا هؤلاء، إني قد رأيت رأياً فوالله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا؟! قلنا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البنية ( الكعبة ) بظهري بل أصلي إليها. فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام وما نريد أن نخالفه. فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام، وصلى هو إلى الكعبة، وقد عبنا عليه ما صنع، وأبى إلا الإقامة على ذلك وقال: إني لمصل إليها. حتى قدمنا مكة. فلما قدمنا مكة قال لي: يا بن أخي لقد وقع في نفسي مما صنعت في سفري شئ: لما رأيت من خلافكم إياي فيه، فانطلق بنا إلى رسول الله حتى نسأله عما صنعت. وكان العباس بن عبد المطلب عم النبي يقدم علينا تاجراً، فكنا نعرف العباس ( ويعرفنا ) وكنا لا نعرف رسول الله ولم نره قبل ذلك، فخرجنا نسأل عنه، فلقينا رجلاً من أهل مكة فسألناه عن رسول الله، فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا، فقال: فهل تعرفان العباس عمه؟ قلنا: نعم، قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. فدخلنا المسجد، فإذا العباس جالس، ورسول الله جالس معه. فسلمنا ثم جلسنا إليه. فقال رسول الله للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، فقال رسول الله: الشاعر؟ قال العباس: نعم. فقال له البراء بن معرور: يا رسول الله، قد هداني الله للإسلام، وقد خرجت في سفري هذا، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية بظهري فصليت إليها، وخالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شئ، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. فرجع البراء إلى قبلة رسول الله وصلى معنا إلى الشام .
المصدر: موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج 1 - ص 708 - 710